بغداد- العراق اليوم: جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي لن يعطل الاسراع في إكساء الشوارع التي يمر بها موكب البابا بصيرة خورخي ماريو بيرجوليو (وهو اسمه الحقيقي) الذي اتخذ اسم فرنسيس عندما اصبح البابا تيمنا بالقديس فرنسيس الأسيزي، المدافع عن الفقراء والبساطة والسلام. فأبن عامل السكك هذا، المولود في احد احياء عاصمة الارجنتين بوينس آيرس الفقيرة، لا يعبر عليه التزويق والطلاء وكل أساليب النفاق. ولا تمر الحيل على من عاش في قارة كانت مهدا لثورات وإحتجاجات على ظلم وتعسف دكتاتوريات وحكومات فاسدة، ظلمت شعوبها وسرقتها طوال تاريخ بلدان هذه القارة. وان من تنازل عن السكن في القصر الرسولي الفخم في الفاتيكان، المقر الرسمي لأسلافه، وإختار العيش في بيت القديسة مرثا الصغير، لا يعير ذلك اهتماما كبيرا، فالقصور الرئاسية لا تشغل باله ولا يغريه أثاثها الباذخ، وحين عُين اول مرة كاردينالا في بلده الارجنتين اكتفى بالعيش في شقته الصغيرة بدلاً من مقر رئاسي. كان أحد أهم شخصيات لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، التي دعمت حوار المكافحين ضد الطغيان والاستبداد والفساد والظلم والحرمان والمتطلعين الى العدالة الاجتماعية بكل صنوفهم وأيديولوجياتهم واتجاهاتهم السياسية، متدينين، علمانيين، ملحدين. شخصية خبرت العمل السري، وساعدت المطاردين حتى بإعارتهم وثائقها الرسمية كي يهربوا، وأسهمت في احتجاجات ٢٠٠١ في الارجنتين، رافضة قرارات الحكومة التي فاقمت معيشة المواطنين، ومنتقدة عنف الأجهزة الأمنية في قمعها المحتجين. هذه الشخصية ينبض قلبها مع هتافات الخلاص من الجور والظلم والتهميش في أي بقعة من الأرض، وكم عمل سرا وعلانية من أجل إطلاق سراح المخطوفين ومعتقلي الرأي كافة. وهو القائل ان الفقر المدقع والهياكل الاقتصادية الظالمة التي تتسبب في عدم المساواة، تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، والذي انتقد الديون الثقيلة التي فرضتها الدول الغنية على الشعوب الفقيرة ووصفها بأنها ديون "غير أخلاقية وغير عادلة وغير شرعية". انه الشخصية الذي تهمه نصرة الموجوعين وإشباع الفقراء، ويسعده ردم الفجوة المعيشية التي تتسع مع تنامي نزعة الجشع اللانساني. وهو من قال: "الفقراء يتعرضون للاضطهاد بسبب مطالبتهم بالعمل، والأغنياء يجري التصفيق لهم عندما يفرون من وجه العدالة". ولا عجب في حساسيته المرهفة ازاء غياب العدالة، وهو الآتي من إرث لاهوت التحرير، صاحب الرؤية الواضحة في تحميل محتكري الثروات مسؤولية انتشار الفقر والامراض. يحقق البابا في زياته للعراق حلما راود قبله ٢٦٥ بابا توالوا على رئاسة الكنيسة الكاثوليكية في روما، ولم يمتلكوا عزم الحبر الأعظم الذي قال يوما: "السلطة الحقيقية تكمن في الخدمة" أجزم ان البابا قد تابع الانتفاضة العراقية بوجه طغمة الفساد، وان قلبه توجع لهول اعداد شهدائها والمصابين، الذين ضحوا في سبيل اقامة الدولة المدنية الديمقراطية. ولابد انه عالم بتدهور الخدمات في العراق وعجز كل الحكومات التي توالت على حكمه عن توفير مستلزمات المعيشة والكرامة الإنسانية. فوجود البابا في العراق اليوم يبعث رسالة عنوانها لا للظلم والجور وطغيان أصحاب رؤس الأموال، نعم لردم الهوة الواسعة في مستويات المعيشة، وهي قطعا ضد الفساد المستشري، وضد التهميش، ومع العدالة والمساواة.. وهي ليست رسالة واحدة، بل رسائل عديدة بضمنها ان قوة المجتمع في تنوعه، وتأكيد مبدأ التعايش المشترك والتسامح ونبذ التمييز على أساس العرق أو الدين أو الطائفة أو الفكر أو السياسة، ومد جسور التفاهم والتقارب والإخاء بين أتباع الديانات والمذاهب في العراق. كما تمثل دعماً لمسيحيي العراق ولحمايتهم واحترام طقوسهم، فهم من اهم الوان الموزاييك العراقي الجميل. كل الترحيب بضيف العراق الكبير وبكل الخيرين في العالم.
*
اضافة التعليق