بغداد- العراق اليوم:
كتب المحرر السياسي في " العراق اليوم" : يُدير رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اكبر عملية مفاوضات تشهدها البلاد، ويحاول ان يتخلص من تبعات ثقيلة تركتها المحاصصة الحزبية والطائفية وسياسات التحالفات الفئوية، وارث طويل من الصفقات التي سيّست الملفات المهمة في البلاد، وحين تقاطعت السياسة، كان من الطبيعي أن (تتفرمل) معها بديهيات عمل الدولة ومؤسساتها، فتحولت مثلاً قضية فنية تقنية مثل تمرير قانون الموازنة العامة للبلد الى اكبر حلبة صراع سياسي، ومحاولات لكسر ارادات وابتزاز، في حين ان مثل هذا الملف يجب ان يبقى في إطاره النظري والعملي جزءاً من سياسة أدارة الدولة ليس أكثر . الكل يعلم ان ليس للكاظمي ولا حكومته ذنباً في مثل ما آلت اليه الامور في ملف كهذا، بل ان الرجل كان شجاعاً وصريحاً حين قال في اجتماع اللجنة المالية النيابية " ان على الجميع ان لا يخضع للمناكفات السياسية"، مؤكداً أن "الموازنة المالية التي أرسلت مسودتها الحكومة في وقت سابق، تهدف الى الإصلاح المالي والاقتصادي ودعم القطاعات الحيوية، التي من شأنها أن تعالج جزءا كبيرا من مشاكل الاقتصاد العراقي التي يعاني منها منذ عقود". وأشار إلى "أهمية استثمار ارتفاع أسعار النفط مؤخرا بالشكل الذي يسهم في تخفيف العبء عن المواطن في نسخة الموازنة التي ترفع للتصويت في البرلمان". وأكد على "ضرورة تفعيل آليات الأتمتة والتعامل الرقمي، وتفعيل دور مجلس الخدمة الاتحادي، في مسار الإصلاح الاقتصادي". ونبه الكاظمي، على "ضرورة الأخذ بمبدأ العدالة في توزيع الثروة بين مناطق العراق كافة، وفق مبادئ الدستور، وعدم إقحام المناكفات السياسية في ملف قوت المواطن ومستوى الخدمات المقدمة اليه". هذا التأكيد ومحاولة النأي بهذا القانون بعيداً عن ضفة السياسة يبدو ان لا يزال بعيداً عن تفكير القوى السياسية الفاعلة في البلاد، بل انها لا تزال تتعامل مع مثل هذا القانون بمنطق التغانم السياسي ومحاولة استمرار معادلة شراء وبيع المواقف السياسية مقابل اقرار قوانين غير مجدية. اليوم نرى ان الربع الاول من هذا العام قد تصرم، ولا يزال قانون الموازنة عالقاً بين تعنت كردي ومحاولة الاستمرار بمنطق اللا دولة، والتصرف بغطاء ظاهره العراق، وباطنه دولة غير معلنة في الاقليم، حيث يريد للأسف بعض ساسته ان يأخذوا دون ان يعطوا اي تنازلات حتى لو كانت دستورية وقانونية. وبين اصرار القوى الشيعية التي تريد هي الاخرى استثمار الملف انتخابياً بعد نكستها في الشارع الساخط عليها والناقم من فشلها، لذا ترى ان ملف الموازنة جزء من حملة دعائية ترمم علاقتها المتصدعة مع جمهورها الشيعي المنتفض. هذا الوقوف بين معسكرين متناحرين عطل الدولة وأصابها بالشلل لا سيما وهي تريد الانطلاق باكبر مشروع اصلاحي اقتصادي نوعي وشامل. حتى هذه اللحظة لم يزل الفريقان - الكردي والشيعي- مصرٌين على رفض رأي ومطالب الآخر، ومواظبين على مواصلة لعبة جر الحبل بعناد شرس، لكن - وهذا ما يثلج الصدور، وينعش الآمال- أن الكاظمي لم يزل يمسك بزمام الموقف، ولم يزل مقود قيادة المركب بيديه، رغم شدة العواصف، وتقلبات البحر، خاصة وإن هذا الفتى بارع جداً في التعامل مع شعرة معاوية !
*
اضافة التعليق