بغداد- العراق اليوم:
كتب المحرر الأمني في ( العراق اليوم) : لطالما شكونا من فلسفة الحكومات السابقة في العراق في تعاملها مع معضلة الأرهاب، ولطالما شخص المختصون أن " التعامل بإسلوب ردات الفعل، لا يؤسس أمناً، ولا يبني استقراراً ولطالما فقدت الدولة ما يُسمى في العلوم العسكرية (عنصر المباغتة)، وأصبح قرار الهجوم بيد غيرها، وأكتفت هي بدور المُدافع، ولملمة أشلاء الضحايا". وقد كانت العملية بالضبط هكذا، فالأرهاب فيما سبق يحدد الزمان والمكان لضرب اهدافه، والقوى الأمنية ترد عليه بعد ان يكون قد نفذ جريمته، وهو ما أرق وأقلق الناس، وجعلهم في خوف وهلع دائمين، وكانت الأصوات ترتفع بضرورة ان يكون للحكومة القدح المُعلى في معالجة مثل هذه الخروقات، والتصدي لها قبل وقوعها. لكن ومع حكومة الكاظمي، وتسلم الرجل لزمام الامور في البلاد، بدأت ملامح العمل الأمني تتغير، وبدأنا نشهد عمليات إستباقية، وأخرى مخابراتية دقيقة، وبدأ الأرهاب يُفاجئ هو هذه المرة، بدك أوكاره الظلامية، بدلاً من أن يختار أن يفاجئنا نحن في بيوتنا، وبدأت العشوائية وردات الفعل الغاضبة وغير المحسوبة، تختفي لصالح عمليات نوعية منظمة وممنهجة، تطال البنية العسكرية والتنظيمية للأرهاب. فعملية غادرة مثل عملية ساحة الطيران، دفع تنظيم داعش ثمنها باهظاً، ولا يزال يدفع ثمنها، المزيد من رؤوس قادته، ومسؤوليه، وخلاياه النائمة، ولا يزال القرار الأمني الحكومي هو المُبادر، وهو المحتكم، وهو من يطلق ساعة الصفر، ويختار الهدف والمكان والزمان بدقة، وحسب معلومات مركزة ودقيقة. اليوم يقود رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، تشكيلاته الأمنية والعسكرية في عملية مهمة ونوعية في مناطق حزام بغداد، ولا سيما (الطارمية) التي شكلت وكراً من أوكار الأرهاب منذ 2003، كما يقول الخبراء المختصون، ولا يزال الرجل وفريقه العسكري والأمني يضربون " عش الدبابير" ويخرجون المزيد من هذه الوحوش من مكامنها، وقد " سببت " في إنتظار غفلة ما أو خاصرة رخوة لينفذوا الى قلب بغداد وينفذوا أعمالهم العدوانية، لكن هذا التصور اضحى حلماً للدواعش ومن يقف خلفهم، ولم يعودوا ذلك التنظيم القادر على ان يختار ضحاياه واهدافه، بل صاروا هم اهدافاً دائمة لعمليات مباغتة ونوعية تقوم بها الدولة، وتنفذها بحرفة ودقة بعيداً عن سياسات العقوبة الجماعية للأهالي، أو الاعتقالات التعسفية او المصادرة أو التضييق. فوصول القائد العام للقوات المسلحة شخصياً، للميدان يعني أن الرجل لن يعتمد على تقارير توضع على مكتبه، بل سيشاهد ويرصد ويقود العمل من موقع المقاتل، وسيعرف الخفايا والخبايا، وسيكون هو صاحب القرار الميداني القريب جداً من موقع الحدث. أن تغيير فلسفة العمل الأمني في العراق، وبهذه الكيفية من شأنه التبشير بعهد أمني جديد قادم، سيكون العراق فيه قادراً على التصدي للمخططات الأرهابية، ومحصناً لجبهته الداخلية، وحامياً لمدنه وقصباته بنسبة عالية جداً، وهذا هو المطلوب الذي لو قيض لنا قيادة مثل هذه القيادة الواعية من زمن بعيد لتجنبنا المزيد من الدماء والكثير من الخسائر التي حاقت بنا للأسف فيما سلف.
*
اضافة التعليق