بغداد- العراق اليوم:
لا عدالة اجتماعية مع تصاعد خط الفقر
جاسم الحلفي
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها يوم ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٠٧ اعلان يوم ٢٠ شباط من كل عام يوما عالميا للعدالة الاجتماعية. وكان الهدف من ذلك تحفيز الحكومات على التصدي للظلم الإجتماعي الذى يتجسد في صور مختلفة، منها الإستبداد والإستعباد والتهميش، والإقصاء والقهر الاجتماعيين والحرمان والفقر. ولا تنحصر العدالة الاجتماعية في توزيع الحقوق والفرص والموارد بين الأجيال الحاضرة فحسب، بل وتضمن حقوق الأجيال المقبلة في موارد البلد. فالعدالة الاجتماعية قيمة عليا وفلسفة تنبع منها منظومة كاملة تجسد الكرامة الإنسانية، لكن هناك من يعاديها ويشوها، ويلجأ المتحكمون بثروات الشعوب إلى وسائل شتى لمحاربتها، ومن ذلك غسل الأدمغة وكأنها عائق امام تسريع النمو الاقتصادي ومصدّ للتطور والتمدن والحضارة! وهناك من يشيع فهما خاطئا للعدالة الاجتماعية مدعيا انها الإحسان الذي يتكرم به البعض من الميسورين على الفقراء. وهناك ايضا من يحصر المفهوم بحدود تقليص الفجوة المعيشية بين طبقات المجتمع. اما الاتجاه الفكري اليساري فله فهمه الخاص، اذ يعدها نظاما اقتصاديا واجتماعيا يهدف إلى إزالة الفوارق بين طبقات المجتمع. ويُثير مفهوم العدالة الاجتماعية خلافا متوقعا بين المُفكرين انطلاقا من الاتجاه الفكري والانتماء السياسي لكل منهم. وقد تمكن مفكرو اليسار من تفكيك هذا المفهوم الى قضايا محددة، منها المساوة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص والضمان الاجتماعي والتوزيع العادل للموارد. كما رسموا سكة سير واضحة صوب تطبيقها، ومنهاجا كفاحيا لتشريع القوانين ذات العلاقة، مطالبين الحكومات بوضع سياسات عملية لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين وحفظ كرامتهم عبر تحقيق الضمان الاجتماعي، الذي يُعتبر أحد الأركان الأساسية للعدالة الاجتماعية. فهو يشمل الحق في الحصول على استحقاقات مالية للمواطنين الأكثر إحتياجاً في المجتمع، ويضمن رعاية صحية جيدة وكفالة التعليم الفعال وتوفير العمل اللائق. وقد برز مطلب العدالة الاجتماعية بقوة في الشعارات التي رفعتها حركة الاحتجاج، ليس عن إدراك فطري لدى المحتجين لما لهذا المطلب من مساس بمعيشة المواطنين وحسب، بل تعبيرا عن وعي متقدم بالحق في العيش الكريم، الى جانب أمور أخرى منها فضح المتنفذين ومساءلتهم عن الأموال العامة التي نهبوها والموارد التي بددوها. وحين نُذكّر بيوم العدالة الاجتماعية فانما نهدف الى تأشير الكارثة الاجتماعية الكبرى في العراق، حيث الارتفاع المخيف لمعدلات الفقر بسبب غياب برامج التنمية المستدامة وبسبب سياسات المحاصصة المنتجة للفساد، والتي مكنت النهابين من التطاول على الأموال العامة. الى جانب اتساع الفجوة المعيشية بين أصحاب المليارات والمهمشين، والتي بلغت مستويات فلكية، وارتفاع نسبة الفقر فوق ما سجلته وزارة التخطيط. حيث شملت البطالة في السنة الأخيرة اعدادا كبيرة من المحسوبين على القطاع غير المنظم، كسواق التاكسي والباعة المتجولين وأصحاب البسطيات وعمال البناء وغيرهم. واشارت تقديرات منظمة اليونيسيف الى ارتفاع نسبة الفقر المدقع من ١١,٥-١٣,٤ في المائة إلى حوالي ٣٢ في المائة! ما يعني إضافة اكثر من ٤ ملايين عراقي الى جيش الفقر، ليبلغ تعداده ١١,٥ مليون عراقي. ومن ذلك حسب آخر احصائية لوزارة التخطيط ٥٢ بالمائة في محافظة المثنى، و٤٩ بالمائة في الديوانية، و ٤٨ في ذي قار و٤٧ في ميسان. هذه الأرقام المرعبة ستولد كوارث اجتماعية واهتزازات مجتمعية، لا يحد منها شمول ٤٠٠ - ٦٠٠ الف اسرة عراقية جديدة بالرعاية الاجتماعية، حسبما اقترحت الحكومة في موازنة ٢٠٢١. وهو ما يؤكد فشل وزارة التخطيط في خفض مستوى الفقر، وعدم نجاعة الحلول والمعالجات والاجراءات الهادفة الى دعم الفقراء ، كما جاء في الاستراتيجية الوطنية لخفض الفقر في اعوام ٢٠١٨- ٢٠٢٢
*
اضافة التعليق