بغداد- العراق اليوم:
كتب المحرر السياسي في " العراق اليوم" : لا تزال بعض القوى السياسية عاجزة عن فهم طبيعة المتغير الاجتماعي حولها، ولا تزال تعيش حالة من "نكران الواقع"، ورفض تام من قبلها للاعتراف ان ثمة معادلة أخرى نشأت، وأن العراق بدأ يسير في خطى جديدة بحثاً عن عقد اجتماعي، وعملية سياسية اكثر تعبيراً عن واقعه الحالي، والتخلص من أرث ثقيل من الخلافات والمشاكل والأزمات، وأن ثمة فاعلاً اخر غير تلك القوى التي تحكمت بالمشهد، والدليل أن ما جرى في حراك تشرين 2019، قد أنتهى الى أن تسلب هذه القوى القدرة على حماية مكتسباتها في حكومة التغانم التي شكلتها بعيداً عن الإرادة الشعبية والمقبولية الجماهيرية. يمكن فقط الإشارة الى أن حكومة الكاظمي كانت جزءاً من عملية معقدة ومركبة، وهي آلية ضامنة كما كانت ولا تزال، تمنع الذهاب نحو الفوضى والضياع والاحتراب الداخلي، فمهمتها كما عرفها الشارع، وعرفتها القوى السياسية، هي مهمة الفصل المحايد بين شارع غاضب، ووسط سياسي غارق في " عالمه الخاص" غير آبه بما كان يحدث، وبما كان يدور في مرجل احتراق عظيم، وكان لإنفجاره العظيم لو حدث بشكل تام آثار مدمرة قد تنتهي بالعراق الى ما لا يحمد عقباه – لا سمح الله -. لكن كما نؤكد في العادة، أن ثمة وعياً لدى نخب المتظاهرين، مدعوماً بقوة التأثير والحجة والمقبولية لدى المرجعية الدينية، بوصفها طرفاً منحازاً للشعب العراقي على الدوام، قد أنتهى لصياغة حكومة شعبية مستقلة، تُمهد لعملية اعادة القرار السياسي للشعب العراقي عبر تنظيمها انتخابات وطنية شاملة جامعة، وحقيقية، وتفتح أبواب المشاركة لكل القوى الناشئة، أو الفعاليات الاجتماعية لتمثل نفسها في السلطة السياسية بما يضمن ويؤمن مصالحها الاجتماعية كما نص الدستور. لقد كانت عملية تأليف الحكومة الحالية محاطة بدعوات مستمرة من العقلاء من أجل ترشيد الخطاب السياسي، وفسح المجال امام الحكومة للقيام بمسؤولياتها في استعادة هيبة الدولة وفرض القانون في البلاد، وإيقاف التدهور الاقتصادي الرهيب، وايقاف حالة اللادولة التي أسست لها "حكومة الغياب الطوعي"، والتي تركت الأمر على الغارب في ظل أزمة متفاقمة. الان وبعد مرور أشهر من عمر حكومة الكاظمي، ومع كل الجهود الجبارة التي تبذلها في معالجات موضوعية، وأخرى جذرية، ومع نجاحها في ايقاف الاحتقان وأبعاد سيناريوهات الأحتراب الأهلي، ومع تحديدها أولوياتها في الانتخابات المبكرة، وأيضاً التخلص من عمليات الاستنزاف المالي الذي كانت تعيشه البلاد، ونجاحها في ملفات الأمن والسياسة الخارجية، والأزمة الاقتصادية العسيرة وغيرها من الملفات. لا نزال للأسف نشهد بعض الاعاقات المتكررة، ومحاولات وضع العصي في العجلة التي بدأت تدور للتو، ولا تزال بعض القوى السياسية لا تريد ان تقتنع بأن الذي حدث لم يكن ليحدث لولا وجود رجل مقبول من الشارع، ورجل هادئ وحكيم ويتمتع بمصداقية، ويعمل بصمت وصبر، ويتحمل بحكمة من إجل ابعاد شبح الاحتقان، وإيقاف ميكانزمات الأزمات عن النبض والحركة، ولربما تفكر بعض القوى قصيرة النظر، أن عملية ازاحة هذه الحكومة هينة وسيكون العراق بمأمن في لحظته الراهنة. للأسف هذا الخطل والقصور الفكري يضعنا امام سؤال مهم ومحوري، ماذا لو قرر الكاظمي ان يترك الموقع الآن؟، أي سيناريوهات تنتظر البلاد في ظل فراغ هائل، وعدم وجود رغبة دولية لمساعدة العراق بعد كل ما جرى، فضلاً عن بيئة مضطربة تعاني من اختلالات في التوازن. الا يعي هؤلاء الذين يشنون هجمات سياسية او اعلامية أي خطورة يقومون بها في تهديد مصلحة البلاد، بل تهديد وجودها من سياسات حمقاء، وهل يظنون ان اللعب بهذه الورقة الخطرة، ستمنع الشارع الغاضب من الانفجار ثانيةً بوجههم، وهو يرى عمليات الاجهاز على ما حققه تجري بكل هذا الحمق والغطرسة وعدم الوعي لعمق الأزمة؟.
*
اضافة التعليق