لماذا خطفت كلمة الكاظمي الأضواء من خطابي الرئيسين صالح والحلبوسي؟

بغداد- العراق اليوم:

كتب المحرر السياسي في " العراق اليوم " :

خطف الخطاب المُركز الذي القاه أمس رئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في حفل أحياء ذكرى استشهاد اية الله محمد باقر الحكيم، الأضواء من كلمات الحاضرين، من الشخصيات رفيعة المستوى، في طليعتهم فخامة رئيس الجمهورية، برهم صالح، ورئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، حيث كان لخطاب الكاظمي صدى اعلامي عراقي وعربي ودولي واسع، ونقلت مقاطع منه قنوات فضائية كبرى، كسكاي نيوز، والبي بي سي، والعالم والجزيرة، والقناة العربية، والعالم الإيرانية، و TRT التركية والميادين وفرانس 24 وdw المانية ويورونيوز وغيرها، فضلاً عن مئات القنوات الأخبارية التي أفردت في مطلع نشراتها مقاطع من الخطاب، أو أخباراً مقتطفة منه.

رافق هذا طبعاً، ما أفردته ونقلته وكالات الانباء المحلية والعربية والأجنبية الناطقة بالعربية، فضلاً عن تغطيات صحافية من كبريات الصحف العربية الصادرة هذا اليوم، فماذا قال الكاظمي في هذا الخطاب، ليخطف كل هذه الأضواء، وبماذا تميز خطابه عن غيره من رؤساء السلطات في البلاد كي تستضيف القنوات والمنابر الإعلامية محللين ومراقبين للتعليق عليه.

في الواقع، أن الخطاب حمل الكثير من لغة الصراحة والمباشرة والوضوح، بعيداً عن لغة التزويق والاختباء خلف المفردات المواربة، وجاء واضحاً محولاً المحفل الى لحظة مكاشفة وطنية صادقة، واضعاً النقاط على حروف يراد لها ان تتبين، لاسيما أن المواقف الرمادية لم تعد تفيد بشيء، والبلاد على فوهة بركان، والأزمة الاجتماعية والاقتصادية يجب أن توضع في مسار التهدئة، وخفض سقف المطالب الفئوية، والاتجاه نحو بناء الثقة مجدداً، والأنطلاق بمرحلة شاملة لمراجعة اخطاء وارتكابات ما مضى، ولذا فقد كانت الكلمة بمثابة انذارات متلاحقة، وجهها الكاظمي الذي كان شجاعاً جداً، حتى في قبوله لتعرضه (شخصياً) وحكومته لسهام الأخوة – الاعداء، وتفهمه لهذه الظاهرة، بكونها نتاج عقدين من غياب الثقة بين الفاعلين السياسيين.

الكاظمي قال بما يشه العظة العميقة أن " التاريخ لا يكتب صدفة.. كما لا يكتبه من لا يؤمن به"، بمعنى أن المرحلة مقطع هام من تاريخ هذه البلاد، وأن كتابة تاريخها وحفظه لن يكون رحيماً مع من لا يحترمون أرث وعمق وأهمية بلد مثل العراق.

ينتقل الكاظمي بشكل واضح الى ما جرى بقوله "في مثل هذه الايام قبل عام كان العراق امام تحدي البقاء .. كل شخص يفسر الاحداث بطريقته بنظرية المؤامرة او غير نظرية المؤامرة .. ولكن الحقيقة التي اؤمن بها شخصياً هي ان شعب العراق وصل الى مرحلة الاحباط واليأس من امكانية ان تنجز الدولة مسؤولياتها تجاه شعبها"، وهنا كان الكلام صاعقاً على الجميع، أنه لحظة النقد التي غابت وطال انتظارها، لحظة الاعتراف الفريدة لطي صفحات الماضي الأليم والبدء بمرحلة أخرى من بناء البلاد وفق أسس حقيقة، لا مصالح الجماعات والأفراد والكيانات.  

وتجذرياً وتأصيلًا لهذا المعنى قال في موضع أخر من الكلمة " لهذا تحديداً رفعت هذه الحكومة التي تشرفت بتكليفي برئاستها شعار الدولة منذ اليوم الاول ، وعملت لاستعادة منهج الدولة في كل المجالات ، لان الغرض هو استعادة ثقة الشعب بالدولة ومؤسسات الدولة ، وليس الغرض اضعاف القوى السياسية او خلق حالة الصراع ".  

واستمرت الكلمة تحمل دلالات سياسية واضحة، وعبرت عن عمق ما يدور، ونقل الكاظمي الحديث من أروقته الخاصة، وحوارات القوى السياسية الداخلية الى الشارع العراقي بكل صدق وثقة وأمانة، ليقول للجميع، أقود سفينة البلاد، وسط أمواج متلاطمة، نجحت حتى الآن في إيقاف حمم مدافع الأخرين عن استهدافها، وعبرنا الموج العالي، وبقي لضفة الاستقرار والتنمية والبناء مسافة قصيرة، لنقطعها عبر تنافس انتخابي وطني معياره الأخلاق، ومبدأه الأساس مصلحة البلاد أولاً وأخراً.

 

علق هنا