بغداد- العراق اليوم: لعل السؤال الأصعب الذي يُمضي مفكرو السياسة حول العالمِ، وقتاً طويلاً للإجابة عليه، وهم يحاولون اختراع مقاربات مستندةً الى أرث تاريخي حافل له.. خاص وإن هذا السؤال لم يعد يشغل بال هؤلاء فحسب، إنما يشغل بالنا أيضاً، لا سيما هذه الأيام الحبلى بالغرائب والمستحيلات..أما السؤال فهو: هل تنجو الديمقراطيات العريقة أو الناشئة من الوقوعِ في فخ الحروب الأهلية؟. و هل يكفي أن يكون البلد ديموقراطياً ويمارس فيه الناس حق الاقتراع، كي يتجنبوا مأس التذابح الاثني والعرقي والديني؟. وبالاستناد الى التأريخ نفسه سنجدُ أن الأجابة، للأسف : لا .. فشيطانُ " الحروب الأهلية" يكمنُ دائماً في أهم مرحلة من مراحل الديمقراطيات، أنه هناك، يطلُ برأسه البغيض، بعد كل انتخابات عامة، حيث تقسمُ البلدان الى فسطاطين أو أكثر، وتؤجج روح العصبيات الأولى، وترفع من منسوب الكراهية، وتُعلي الخطاب الأنوي، فتتلاطمُ أمواج المجتمعات ببعضها البعض، حتى اذا ما تسربت الشكوك من سدود العنف الذي تحكم الدولة سيطرتها عليها بموانع عدة، أُغرقت البلاد بالدم! وعادت فوهات بنادق الجماعات الأهلية لتعلو، ولا يعلو على صوتها صوت حينئذاً .. هذا السيناريو الرهيب قد يجري في بلادنا نحن أيضا، لا سيما وإن الانتخابات على الأبواب، والكلُ يريد أن يُثبت وجوده فيها، فالماسكون بزمام السلطة وتلابيبها مثلاً، سيحاولون عرقلة العجلة التي قد تدفعهم الى خارج المسرح والى الأبد!. وقطعاً فإن هؤلاء لن يستسلموا طائعين لإرادة الصناديق البيضاء المُغلقة بإحكام هذه المرة امام محاولات العبث بها؟ كما كان يجري في السابق؟. وثمة اسئلةُ عديدة حائرة، تبحثُ عن إجابات شافية، عسى أن تطمئنُ الناس، وتهدئ من روعهم!. لكن ما السبيل الى انتخابات حاسمة، دون أن ننتظر أن يبرز منها ذلك الرأس الملعون، وأن ينفلت العنف في بلاد لا تنفك تجتره اجتراراً ؟! "العراق اليوم" يرى، بل يتمنى أن يبادر رئيس مجلس الوزراء، وبصفته رأس الدولة التنفيذي الأعلى الى عقد ملتقى وطني شامل، يدعو له جميع القوى السياسية، وحتى الفصائل العاملة بأجنحتها، والمنظمات المهنية والنقابية، والناشطين، ورجال الدين الفاعلين من الأديان والطوائف، ورؤساء العشائر والوجهاء الاجتماعيين والأهم دعو ممثلين عن الشباب الذين قادوا الحراك الشعبي في مختلف ميادين البلاد، ليكتبوا فيما بينهم ميثاقاً وطنياً جامعاً، مانعاً للعنف، محدداً لشكل مسار الانتخابات الآمنة، ضابطاً لإيقاعها. فالكاظمي الذي سيمضي في مشروعه بانتخابات مبكرة، لتلبية حراك شعبي واسع، يعرفُ اكثر من غيره أن العالم سيحبس الأنفاس بانتظار ما ستسفر عنه هذه التجربة التي ستحظى برقابة كونية للمرة الأولى. ويعرفُ ان خياراته للجم أصوات التطرف والعنف قد تبدو محدودة الآن، الاً اذا مال لإستخدام العنف هو الأخر، فتكون الكارثة قد وقعت قبل موعدها، فهل سينعقد مؤتمر الحوار الوطني، ويكون هو كلمة السر التي تجنب البلاد ويلات الغرق ثانيةً في وحل التطرف وحكم أمراء الطوائف والجماعات؟.
*
اضافة التعليق