بغداد- العراق اليوم: كتب المحرر الإقتصادي في (العراق اليوم) : تبدو مهمة إعداد موازنة عامة في العراق، مهمة مستحيلة وصعبة ومعقدة للغاية، لاسيما حين نأخذ بعين الاعتبار اجواء الانقسام السياسي المُتأصلة، وتقاطع المصالح الشديد، وغياب للرؤية الموحدة تجاه التصرف والتحكم بالإيرادات المالية، ويمكن القول بثقة أن اعداد وتمرير قانون للموازنة هنا في العراق أصعب منه في امريكا على الرغم من وجود مشاكل فعلية في قانون الموازنة هناك، حيث لاننسى أن التقاطع الحزبي هناك قائم على أشده بين الديمقراطيين والجمهوريين، لاسيما في ملفي التسليح والانفاق العسكري الذي يريده الجمهوريون ويعملون عليه، ويعارضه الديمقراطيون ويعرقلونه، وفي ذات الوقت فإن الجمهوريين يعملون على عرقلة عملية التصويت على قانون الاعانة المالية للأمريكيين الذين فقدوا اعمالهم أو تضرروا نتيجة لجائحة كورونا. ورغم كل هذه المشاكل الجذرية والخلافات الأمريكية الداخلية حول هذا القانون أو غيره من القوانين والتخصيصات والتقاطعات، لاسيما في المجال الصحي والضرائب وغير ذلك، ورغم أن حجم الموازنة الأمريكية أكبر من حجم الموازنة العراقية ألف مرة، إلاً أن المسألة في العراق تعد اعقد وأصعب مما هي عليه في واشنطن، فمع كل هذه الخلافات التي طرحنا، فإن أمريكا ليست مثلنا تعاني من ارث في غياب التخطيط الاقتصادي، وضعف الوعي القانوني بأهمية مثل هذه القوانين المنظمة لعمل الدولة ومؤسساتها، فالعراق حديث عهد بالتجربة الديمقراطية، وقد عرف الأنظمة المالية واعداد الموازنات حديثاً لاسيما بعد 2003، لذلك عانت حكوماته تعثراً مستمراً في هذا الملف، الى الحد الذي اخفقت فيه حكومتان سابقتان مثلًا، في تمرير موازنتي 2014، و 2020، وكان البعض يراهن علانيةً، على عدم قدرة الحكومة الحالية على مجابهة الأجواء المبلدة والملغومة، والخوض في هذا البحر المتلاطم الموج من الأزمات وتقديم موازنة جديدة للبلاد، لكن حكومة الكاظمي قدمت قانون الموازنة، وها هو قد نضج، وينتظر التصويت قريباً، والسؤال المهم هنا: كيف نجح الكاظمي في هذا الاختبار المهم والعسير؟. من يعرف في علوم الاقتصاد والمال، سيعرف أن إقرار قانون الموازنة العامة، أنما هو إقرار لشكل وهيكل الاقتصاد والمجتمع والدولة ورسم لمسارات بلد لعام كامل، ولا يعني أن ما تسقطه وزارة المالية أو الحكومة على الورق من أرقام، بأنها مجرد أرقام تجريدية، بل هي حقائق اجرائية سترتب اثراً، وسيترتب عليها سياسات تمس شرائح وقطاعات وعلاقات وتتحكم في قنوات ناظمة للعلاقة بين الفرد والمجتمع. ومعلوم جداً أن حكومة الكاظمي، لا تمتلك ظهراً سياسياً في مجلس النواب، أو حلفاء اقوياء جدا، وهذا يعني أنها حكومة ستواجه المجلس النيابي معتمدةً على الحقائق المجردة فقط، ولا تمتلك أي رأسمال سياسي أو نيابي مؤثر، الا رأسمالها الواقعي الحقيقي المبني بلغة العلم والحقيقة التي لا يمكن أنكارها، وعلى الرغم من تأثيرات انخفاض اسعار النفط وجائحة كورونا، والمصالح الضيقة والحزبية والفئوية وسطوة الفساد ومن يحميه، لكن الحكومة بدأت تقترب من حسم الأمر لصالحها. فالأخبار الآتية من الأروقة الحكومية والنيابية، والتي كان (العراق اليوم) يتابعها، تكشف عن نجاح حكومة الكاظمي في حسم أغلب ملفات هذا القانون الحيوي، وأنها ستنجح بعد عام تام من غياب هذا القانون، من إعادة عمليات الأنفاق المالي والعمليات الاقتصادية الى السكة الدستورية، وسيعاود النشاط الحكومي والوظيفي والقطاعي العمل وفق قانون شرعي وواضح. عملياً، وبغض النظر عن الخوض في تفاصيل القانون، أو فقراته التي سنتوقف عندها في فرصة لاحقة، نرى أن خوض معركة قانون الموازنة العامة، وهي معركة بكل ما تعني الكلمة من معنى، مثل أيضاً تحدياً حقيقياً امام حكومة انتقالية، رفعت شعار الاصلاح الاقتصادي في البلاد، واستطاعت أن تواجه تقاطع رهيباً في المصالح، وأن تمرر ورقتها البيضاء في ظل اجواء محمومة بالتنافس الانتخابي المبكر، والخطاب الشعبوي الذي يريد استثارة عواطف الناس، بغض النظر عن حقيقة الوضع وعمق الأزمة المتفاقمة.
*
اضافة التعليق