بغداد- العراق اليوم: من تابعَ الأحاديث والتصريحات التي صدرت من الحكومة العراقية، خلال الأسبوع الماضي واليومين الأخيرين، سيجد نبرة تكاد تكون متقاربة في الدعوة الى العقلانية السياسية، والتروي والحكمة في معالجة المشاكل وعدم الانجرار الى محاولات قد تدفع البلاد الى حافات خطرة، يصعب معها إيقاف الانزلاق نحو الكارثة. هذا الخطاب المُتسق، بدأهُ رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، الذي أكد أنهُ يمضي وفق رؤية وطنية خالصة، هدفها استكمال عملية سحب القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وأيضاً الدفع باتجاه تعزيز منظومة الأمن الداخلي، والدفاع الخارجي، من خلال تنشيط وتقوية المؤسسات الأمنية وأيضاً استكمال بناء الجيش العراقي الوطني بكل أسلحته وصنوفه المتعددة. رسالة الكاظمي عشية الاحتفال بالذكرى المائة لتأسيس الجيش العراقي، والاستعراض العسكري الفخم الذي نظمته وزارة الدفاع بإشراف القائد العام للقوات المسلحة وبحضوره الشخصي الميداني، مثل ايضاً تأكيداً على سعي حكومي واضح لتجنيب البلاد لحظات عصيبة بعد لعبة " عض الأصابع" الخطرة التي دخلتها المنطقة بين إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب من جهة، والنظام الإيراني الذي صعد من عمليات تخصيب اليورانيوم المنضب من جهة أخرى، حيثُ يحصي ترامب كما يبدو أنفاس أيران وحلفائها، بإنتظار أي خطأ يصدر او تصرف تنقصه الحكمة او العقلانية، لينفذ مخططه الأخير، في تعطيل انتقال السلطة الى خلفه الرئيس الديموقراطي جو بايدن، حيث فشلت بالأمس عملية " الانقلاب" الداخلي الذي نفذه عبر جمهوره الذي اقتحم الكونجرس وعطل مؤقتًا عمل غرفتيه التشريعيتين (مجلسي النواب والشيوخ)، ليعاود المجلسان عملهما بعد ساعات عصيبة، ويعلنا فوز بايدن أخيراً. في هذه الأثناء، تبذل حكومة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، جهوداً مضنية جداً في الخفاء، لـ " فرملة" بعض الاندفاعات غير المحسوبة، وسط إنكار إيراني متواصل لأي صلة لها أو بأصدقائها في الداخل العراقي، بعمليات الاستهداف للبعثات الدبلوماسية الأجنبية، وبينها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً نوع " العقلانية والصبر الاستراتيجي" الذين اظهرهما النظام في طهران فيما يتعلق بذكرى اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني الأولى، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، الشهيد ابو مهدي المهندس. في وقت كانت الانظار تتجه الى تطور سريع في شكل الصراع، يبدو أن حكومة الكاظمي تُمسك النابض بقوة، ويحاول الرئيس تخليص البلاد من ايام صعبة، قبل استكمال عملية نقل السلطة في البيت الابيض الذي يفترض ان يكون انتقالاً من منطقة التوتر عالي الخطورة الى منطقة الحوار الإقليمي والدولي، الذي سيكون للعراق تأثيره وحضوره، وأيضاً حصته من الاستقرار ونزع فتيل التوترات الداخلية المتأججة. هذا ايضاً، يُفسر كلام وزير الدفاع الأخير، جمعة عناد، الذي دعا لتجنب العراق المزيد من ويلات الصراع، مؤكداً ان حكومة الكاظمي جنبت البلاد الحرب الأهلية، وهي لا تريدها، وستعمل على نزع مفاعيلها بشكل تام من خلال الحكمة في استخدام القوة، وفي فرض منطق العقل والمصلحة الوطنية. وقال عناد في تصريحات صحفية إن ”الجيش لا يعجزه من يطلق صاروخاً ويهرب، لكن الموضوع يمكن أن يجر إلى حرب أهلية، لذا يجب أن نكون حكماء، لا سيما وهناك من لا يفهم عواقب هذه الأعمال الكارثية، فتلك الصواريخ تصيب المدنيين ولم يتضرر منها أي أجنبي منذ سنة على الأقل“. وأكد الوزير أن ”العراق ما زال بحاجة إلى التحالف الدولي، لدعم الجيش، لكن هناك من يريد جرنا لصدام مسلح، ولن نسمح بذلك“، محذراً من أن ”استهداف المنطقة الخضراء والبعثات الدبلوماسية قد يجر البلاد إلى حرب أهلية يكون المواطنون العراقيون ضحيتها“، مشدداً على أنه ”يجب على القادة السياسيين وضع مصلحة البلاد أولاً“. هذا التصريح يمكننا قراءته على أنه يريد ان يوصل رسالة الى بعض القوى "الشيعية" بشكل خاص، بأن عليها مسؤولية وطنية واخلاقية وشرعية لتجنيب البلاد مثل هذه الدوامة الخطرة، وأن تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، وأن تدفع باتجاه ان تستكمل الحكومة كل مقومات بناء منظوماتها العسكرية والأمنية للاستغناء التام عن أي دعم خارجي دولي أو إقليمي ليستقر العراق، ويستعيد سيادته كاملةً غير منقوصة او معرضة لأي تهديد داخلي أو خارجي.
*
اضافة التعليق