بغداد- العراق اليوم: منذ تشكيل حكومته قبل ستة اشهر تقريباً، كان البعض يتنطع بأن هذه الحكومة توظف جيوشاً الكترونية، وأنها حكومة إعلامية، وأن الرجل يسيطر بشكل أو بأخر على الاعلام بشتى صنوفه، حتى كادت هذه "الفرية" تنطلي على الناس، لكن خلال الـ 48 ساعة الماضية، أسقطت هذه التهمة الباطلة، ليثبت العكس للمتابع، فأتضح أن الرجل لا يملك هذا الجيش، ولا يسيطر على الإعلام، حتى الرسمي منه، بل أن الأخرين هم من كانوا ومازالوا يسيطرون على الإعلام، ولديهم جيوشهم الخاصة، بل أن بعض كبار السياسيين الذين كانوا يوكلون بعض مهام مهاجمة الحكومة لغيرهم، دخلوا شخصياً بكل رمزيتهم وثقلهم السياسي ليكتبوا وينشروا (التغريدات)، ويباشروا الهجوم المعلن ضد هذه الحكومة، بدعوى التباكي على الشعب والفقراء منهم، والدفاع عن هذه الطبقات بوجه إصلاحات حكومية "قاسية" كما يصفون، فيما يدركون في أنفسهم تمام الإدراك أن لا مفر من هذا الإصلاح، ولا مناص من مواجهة تحديات وتراكمات 17 عام من الإدارة الفاشلة للاقتصاد والمال . اليوم حيث الحكومة تواجه كل أنواع الصواريخ، فمرةً صواريخ الكاتيوشا التي تستهدف البعثات وتقوض الأمن وتزعزع ثقة الشركاء الدوليين، ومرةً هذه الصواريخ الإعلامية التي لا تتوقف عن مهاجمته وحكومته وكل خطوة يخطوها الرجل، فأين هو جيشه " الإعلامي " المزعوم، وأين هي الردود التي تواجه هذه الأزمات المتلاحقة يا ترى؟. بل ان الهجوم لا يقتصر على الاعلام والكاتيوشا، بل حتى صحياً، فأن الحكومة تواجه هجمات المناوئين، أو الذين اختاروا هذا الخندق بإرادتهم، فمثلاً ملف كورونا يُستغل بأبشع ما يمكن، وملف لقاح فايزر /بايونتك الذي اكتشف مؤخراً، تهاجم فيه (الحكومة الكاظمية) لأنها لم تقم بالتعاقد السريع لاستيراده، فيما الحقيقة غير ذلك تماماً، فهذه الشركة تعمل وفق جدول الأولويات والدول الأكثر تضرراً والأكثر خطراً، وتخضع لمعايير منظمة الصحة العالمية في عملية التوريد للقاح، فكيف يتجاوز العراق هذا، وهل مجرد اللقاح سلعة معروضة كي تسارع الحكومة لاقتنائها، لكنها الحرب التضليلية المتواصلة ليس الاً. بل ان الحقيقة التي يغيبها هؤلاء ان العراق كان قد بدأ مفاوضاتهِ قبل اربعة اشهر مع هذه الشركة الرائدة، والحقيقة ان الأولويات ليست خاضعة لأي اعتبار سوى مستوى التهديد الذي يسببه الفايروس لسكان الدول. ولله الحمد فأن العراق الأقل تضرراً قياساً بالدول الأخرى. ورغم هذا فقد إتفق العراق مع شركة فايزر على حجز 8 ملايين جرعة من هذا اللقاح المميز، وستصل الدفعة الاولى (مليون ونصف مليون) جرعة خلال الشهرين القادمين . فأين هو إعلام الكاظمي يا ترى؟، الحقيقة أثبتت أن الرجل لايملك أي منظومات من هذا النوع، سوى منظومة الصدق والمكاشفة والصراحة التي يواجه بها التحديات والأزمات. الأن، ومع تفجر هذه الأزمة، ووصول الأمور الى مستويات صعبة ومعقدة على مستوى الاقتصاد، نرى تصاعد الأصوات مجدداً، منادية بإسقاط الحكومة الحالية حالياً، وهي دعوات " مراهقة سياسياً" وغير واعية ابداً، بسبب خطورة اللحظة الراهنة، فالكل يعلم أن الكاظمي يقف الآن على " فتحة بالوعة" أن أنفجرت فلن يخرج منها الجميع، ولن يكون اعادتها الى السابق هيناً، بل أن العراق سيدفع الثمن، فكيف والحال ان التنافس على أشده، وعلناً حيث يتحدث السيد الصدر وانصاره وتياره عن رغبتهم الشديدة برئاسة الحكومة، فيما يخوض الفتح ومن معه والفصائل الحشدية والولائية صراعاً وجودياً مع هذا التيار عبر التنافس الحزبي والمناطقي، فيما لا يزال رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وتياره وحضوره السياسي طامعاً ايضاً في المنصب ويعمل بكل قوته للعودة الى موقعه، كل هذا وهناك شارع يغلي، وصراع أهلي وأثني وقومي وطائفي مخفي، كالنار تحت الرماد، فكيف يمكننا تصور غد العراق بدون حكومة، هل يمكن أن يتفق هؤلاء مجدداً على رئيس وزراء بلا دماء في الشوارع؟، هل يمكنهم أن يصلوا الى خيار أخر بهذه السهولة، وهم رأوا أي انسدادات عميقة كانت بعد اقالة حكومة عبد المهدي شعبياً، وأسقاطها في الشارع؟، هل يعي هؤلاء الفرقاء هذا الواقع في ظل اتساع فجوة الاقتصاد وتعمق الأزمة المالية ووصولها الى مستويات جد خطيرة!. اسئلة برسم كل من يملك ضمير وطني، ويريد أن يحمي العراق من الوقوع في المستنقع الليبي، هذا السيناريو الرهيب، الذي ما أن سقط القذافي من موقعه حتى تفجرت ليبيا من الداخل، مع الفارق الشاسع وعدم التشابه بين الشخصين والتجربتين، لكننا في معرض وصف أي مشكلة اجتماعية تتفجر في حال الإصرار نحو الفوضى وعدم الإتفاق، وعدم الاستقرار السياسي الداعم لبيئة العمل السليم. كل هذه الأسئلة تجعلنا نعود لما بدأنا به حديثنا، وسؤالنا العريض: أين هو اعلام الكاظمي؟، وأين دوره من توضيح الحقائق وشرحها للشعب بكل ما فيها؟، لماذا لا يخبر الجميع أن بمجرد رحيل الحكومة الحالية، فأن الدماء ستكون في الشوارع – لاسمح الله- ولن يصل الجميع الى أي حل مهما حاولوا في ظل تدخلات امريكية – ايرانية – تركية – سعودية، وكل المحاور المتقاطعة، وتنامي الأزمات، وأستفحال المشاكل، لماذا يغيب اعلام الكاظمي في هذا الظرف الدقيق والحساس والبالغ التعقد؟.
*
اضافة التعليق