بغداد- العراق اليوم: كمن سبقوه، كان بإمكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن يواصل الخديعة المستمرة منذ 17 عاماً، وأن يضع الحبل على الغارب، ويتبع سياسة " أصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب"، وأعمل لنفسك انتخابياً، وأطع الجمهور، لأن " الجمهور عاوز كده"، وأن يريح نفسه، ويربح على المستوى السياسي والانتخابي، بل ويكتسح، حين يصبح مجرد بوابة للتعيينات والفوائد الفئوية، وأن يدفع كل مخزونات العراق المالية ومذخراته القليلة، كمنح ورشى انتخابية، ويصبح "محبوب الجماهير"، ولا يمسه ضرر، أو يقصده أي شخص بكلمة خشنة، فالرجل يعرف دون شك هذه اللعبة، ولربما قد يكون أمهر ممن سبقوه لو أراد أن يلعبها، بحكم خبراته المخابراتية، لكنه أبى ذلك، فهو وكما يبدو واضحاً، لا يريد ان يخون ضميره الوطني، وشرفه وقيمه التي نشأ عليها، وعرفها، وخاض نضالاً طويلاً من إجلها، فكيف ينحني اليوم وهو يقف على موقع المسؤولية الوطنية، وفي لحظة مفصلية وحاسمة من تاريخ العراق، فيرتضي أن يضع البلاد رهينة الأقدار، ويلقي بها في مهاوي الردى، وينكص عن تحمل المسؤولية التي اوكلت اليه بفعل الاحتجاج ودعوات المرجعيات الدينية والنخب السياسية والثقافية والفكرية للإصلاح الجذري والشامل، فما حدا مما بدا لينقلب هؤلاء هذا الانقلاب " الشعبوي" المعبأ بالنفاق بعينه، ولا نريد أن نهاجم احداً، ولا ندافع عن أحد، لكن ما بال هذا الجمع الهائج من وسائل اعلام، ومحللين وغيرهم، وقد ثارت ثائرتهم مع أول اصلاح مهم وحقيقي، تبقى بدونه أي عمليات اصلاحية اقتصادية، مجرد ذر للرماد في العيون!.
نعي تماماً، أن المهمة صعبة بل وجسيمة، لكننا نستطيع ان نحشد مئات آلاف التصريحات والمطالبات والمناشدات، والاستغاثات التي كانت تصدر من الجميع، بإيقاف سياسة دعم " الدولار"، وترك مزاد العملة سيء الصيت، وترك الدينار بقيمته الحقيقية حتى تتوقف عمليات نزيف العملة الصعبة، والسرقة الممنهجة لإيرادات البلاد من هذه العملة، فعمليات دعم الدينار، ونزيف المال لم تكن تصب الأ في خانة اصحاب المصارف الأهلية، والمضاربين، واباطرة المال في البلاد، فيما لا يحقق الفقير او محدود الدخل أي فائدة من هذا الدعم غير الواقعي للعملة، في عملية فنية صرفة، لا يمكنها بأي حال ان تنتهي ببناء اقتصاد صناعي، أو على الأقل متكافئ الجناحين ( إيراداً وتصديراً)، فعمليات تخفيض سعر الدولار عبر استنزاف مستمر للعملة العراقية، لا تصب الا في صالح المستوردين في الداخل والموردين في الخارج، بحيث تسببت هذه السياسة بتدمير واضح للقطاع الصناعي والانتاجي في العراق، والذي فقد قدرتهِ على المنافسة مع المستورد الذي يستفيد من ضعف الدولار، أو قيمته غير الحقيقية التي يباع فيها في داخل البلاد. ان الكاظمي اذ يختار ان يبدأ الاصلاح من رأسه، وأن يقضي على هذه الآفة، أنما يختار المواجهة الشاملة، بإنتظار ان تتواصل الاجراءات الاصلاحية لتمس ما يلي : - ايقاف سياسات الدعم "الغبية" عن الخدمات الحكومية، وحصرها بالشرائح الهشة او الأدنى لمتوسطة فقط (كالكهرباء والماء والمجاري والوقود والصحة وغيرها). - البدء بسحب العملات الكبيرة من الأسواق العراقية، وأجبار المواطنين الذين لديهم تحاسب ضريبي على الإيداع المصرفي لسحب الكتلة النقدية من الأسواق وايقاف التضخم. - تخليص الدولة من الانفاق الجنوني على الآليات والخدمات اللوجستية المقدمة في الدوائر الخدمية، وتقليصها الى الحد الأدنى. - الاتمتة الشاملة لكل العمليات المالية في البلاد، اي تحويل العمليات اليدوية الى عمليات الكترونية، وتفعيل الصرف غير النقدي لمرتبات الموظفين، لمنع تدفق النقد الى الأسواق بالطريقة الهائلة التي تتسبب بسحب المخزون الاحتياطي من العملة الصعبة. - الخفض الحقيقي للرواتب العالية، للطبقات التي اصحبت ثرية جداً منذ سنوات طوال، واستهلكت موارد الدولة المالية بشكل ملحوظ، من خلال التقليص الشامل للوظائف العليا، وايقاف قوانين المخصصات الجائرة التي تصرف لفئات محددة من الموظفين دون غيرهم. - حماية الطبقات الهشة وادنى المتوسطة، ورفع مرتبات الموظفين الذين في أواخر السلم الوظيفي لغرض ضمان فرص العيش الكريم لهم، مع تسهيلات ودعم في مجال التموين والصحة والتعليم وغيرها.
*
اضافة التعليق