بغداد- العراق اليوم: في الحلقات الماضية، مررنا بعجالة على بعض الأرهاصات السياسية، والأزمات والتراكمات التي كانت سبباً في تكوين طبقة وعي جديدة لدى الشارع العراقي، وكيف تبلورت فكرة ضرورة اخراج العراق من معادلات 2003، والتي تحولت الى أعراف شبه دستورية، والتمهيد للإنتقال الى نظام دستوري سليم، وكيف ان الشارع كان لأول مرة منذ التغيير هو الفاعل الأقوى في تعديل أطر المشهد السياسي، وكان فاعلاً في انتاج حلول سياسية جديدة. وقد أشدنا بهذا التحول العميق في الوعي السياسي، والضرورات التي قادت التحول، وأيضاً توقفنا عند ملامح مرحلة قبيل تولي مصطفى الكاظمي وما بعدها، ولاسيما ان الرجل يُعد من خارج المتن السياسي رغم أنه تولى وظيفة مهمة في الدولة، الا أنهُ لم يقترب من الحقول السياسية المعروفة، ولم يفرز نفسه في أي خندق. لقد كان خيار الشارع ملهماً بصراحة حيثُ اثبت أنهُ يبحث فعلاً عن رجل كفوء، خارج أطار التوافقات الحزبية الضيقة، المدعومة بمصالح داخلية وسرية، وأنتهى الحراك في جولته الأولى بتحقيق الأختراق المأمول، عبر التمهيد لأنتاج قوى سياسية وطنية برؤية جديدة، وقائمة على فهم وهضم التحولات العالمية والأقليمية، وأيضاً مستوعبة لنوع الإنغلاق السياسي الذي عاشه العراق في سنوات تفكك الهياكل والكتل السنية والشيعية والكردية على نفسها، فلم يعد يُقنع الشيعة خطاب الطائفة، ولم يعد يُشبع الكرد العزف على وتر القومية، ولم يعد يداوي جراح السنة خطاب المظلومية التي يتشدق بها ساستهم. اذا ما عرفنا هذه الحقيقة، وما ثبته الحراك الشعبي في الوجدان العراقي، سنعرف أن حكومة الكاظمي كانت حلاً شعبياً بالدرجة الأساس، وأستطاع الرجل مصحوباً بوعي اللحظة الراهنة، ومحملاً بقدرات كبيرة من الفعل السياسي على وضع التماعات في هذه الحكومة، عبر اختيار كابينة وزارية جيدة في الغالب، كوزراء التعليم العالي والداخلية ووزير المالية ووزير التخطيط ووزير الشباب والرياضة وغيرهم من الأسماء اللامعة، فضلاً عن أختياره لأهم الشخصيات الأمنية في المواقع الحساسة والمواقع المفصلية في بناء العمل الأمني داخلياً وخارجياً، لاسيما في اختياره للسيد قاسم الأعرجي والفريق عبد الغني الأسدي وغيرهم. بهذا الفريق الذي أضاف اليه الكاظمي طيفاً من قادة الحراك الشعبي، والخبراء والأكاديميين المتخصصين في مواقع الهيئات المستقلة، فضلاً عن تحرير شبكة الإعلام العراقي من الهيمنة الحكومية، وأطلاق خطابها، يكون الرجل استكمل ملامح الانتقال المرتقب، وبخطوته الجريئة والمحسوبة بدقة، بإقرار قانون انتخابي وطني جديد، مقبول شعبياً، وأقرار قانون مفوضية الانتخابات وتشكيلها من قضاة مختصين، وأيضاً تحديد يوم واضح لأنتخابات مبكرة، تكون الحكومة قد أنتهت من أهم ما قامت عليه من مطالب وطنية كبرى، وبقيت تدور في حلقات القضاء على الفساد، وإستعادة هيبة الدولة، وفرض وأنفاذ القانون، ومحاربة السلاح خارج أطاره، والعمل على استكمال علاقات العراق مع جواره ومحيطه، والدول الخارجية، والتمهيد لبلورة رؤية اقتصادية وطنية شاملة عبر الورقة البيضاء التي أطلقتها وغيرها من الإصلاحات الجذرية الشاملة. الكاظمي والانتخابات المبكرة بهذا العرض الذي قدمنا له خلال تسع عشرة حلقة، وأردنا بهذه الحلقة الأخيرة تقديم كشف حساب أولي عما أنجزتهُ حكومة الكاظمي، وعما قامت به من أعمال شاملة في سبيل بناء رؤية عراقية جديدة، ترى مصادر مقربة، أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وكخطوة أضافية على استكمال هذه الحلقات المهمة في سبيل بناء المشروع العراقي المستقل، سيتجه لقيادة قائمة وطنية، أو تجمع انتخابي عراقي منافس، مكون من طيف واسع من أبناء الشعب العراقي، لا سيما تلك القوى التي أنعزلت لمختلف الأسباب عن المشاركة في الانتخابات المتتالية، حيث يعرف الجميع أن اعلى نسبة تصويت وصلها العراق في مراحلها السابقة، لم تتجاوز الـ 49% في أحسن الأحوال، مما عنى أن نصف الناخبين العراقيين خارج التصويت منذ بدء العملية السياسية، وهنا فأن تحفيز هذه الفئات والطبقات عبر برنامج غير مسبوق، وخطوات حركت المياه الساكنة، سيكون له اثر واضح في زيادة نسبة التصويت التي يتفاءل كثيرون بأنها ستكون الأكبر في حال اقامة الانتخابات المبكرة في ظل هذا التمهيد والإستعداد الجريء. فضلاً عن هذا الجمهور الصامت الذي سيكون للكاظمي نصيب وافر منه، كونه أول قوى سياسية غير متهمة ( لا طائفيا ولا اقتصادياً ولا مليشياوياً ولا ارتباطات خارجية)، سيكون للكاظمي وطيفه الانتخابي في حال قاده أو اشرف عليه، حضور شعبي لدى جمهور حراك تشرين بالتأكيد، وهذا جمهور واسع، بعضه ترك قواعده التقليدية، كجمهور بسيط من سائرون او ما يقاربها، أو الفتح أو الحكمة او النصر، او القوى السنية التقليدية، مضافاً اليه فئات اجتماعية وقوى عمالية ونقابية ومدنية باحثة عن التغيير الشامل خارج هذا المتن السياسي برمته. من هنا فأن قائمة الكاظمي قد تكون رقماً مهماً، أن لم يكن صعباً في المعادلة النيابية القادمة، ولا سيما أن تمسكت ببرنامجها الانتخابي الوطني الذي يرفض المحاصصة، ويرفض الفساد والطائفية واللعب على الأوتار القومية وغيرها. وبذا فأن الكاظمي هو بذاته أيضاً سيكون مؤهلاً لقيادة المرحلة الثانية لاستكمال ما بدأه في حكومته الانتقالية، ضمن حكومة مستقرة لمدة اربعة اعوام، وسيكون تحالفه أيضاً قريباً من كتلة سائرون او تلك التي ستليها، لاسيما ان التيار الصدري يقود هو الأخر عملاً من إجل انتقال سياسي اخر، قد يتوافق مع رؤية شعبية واسعة في الكثير منها، وقد يختلف في بعضها. نأمل ان يتحقق الانتقال السلمي نحو التجربة الوطنية الشاملة، وأن تكون رؤية العراق 2021- 2025 مرحلة وطنية تغييرية حقيقية كما يأمل ويخطط رئيس الوزراء الكاظمي وفريقه الكفوء.
*
اضافة التعليق