بغداد- العراق اليوم: ظلت علاقة العراق منذ قيامه كدولة في العام 1921 والى سنوات قليلة جداً، قائمة على مبدأ الاصطفافات الثنائية، والانحشار في محاور ضد أخرى، مما جعلهُ دائماً يخوض حروباً، أو يتورط في تقاطعات ليس له فيها مصلحة، فمرةً يُعادي السعودية على أساس عداء بين الشريفيين الحاكمين في العهد الملكي، مع ال سعود، ومرةً يدخل في دوامة صراعات قومية مع ايران، وفي الحقيقة، كان الدافع الأساس لها مذهبي واضح، ومرةً يتورط بعداء قومي مع قوى رجعية، ومرةً يعادي القوميين العرب، كما في سوريا، ومرةً يتورط في حلف بغداد، وأخر في حلف مع مصر، وهكذا لم تكن بوصلة التحالفات والتقاطعات مبينة على أسس مصالحه الستراتيجية، ولا وفق رؤية مخطط لها بعناية، فقد كانت العداءات مبينة على شعور الحاكم وعواطفه، أو تحالفاته الشخصية او الحزبية، وبقي العراق يصارع المنطقة برمتها، ولا يمكن أن ندعي أن العراق كان حليفاً على مدى قرن من الزمان لأي دولة في المنطقة، فكل علاقاته مبينة على التشنج، والقطيعة، وجدل الجغرافيات القلقة، ونوابض التاريخ المزعجة، وأصوات مدافع الإيدلوجيات المتحاربة. هذه العقليات نسخت نفسها في تجربة عراق ما بعد 2003، ولم يكن للعراق في البدء من موقف، لكن الأخرين هم بادروه في عزلة عربية حاسمة، والتفاف ايراني واضح، وانسياق مع طموحات أخرى بقيت تلعب دوراً اساسياً في بناء علاقات العراق مع جيرانه، لذا نجد أن العلاقات العراقية – العربية بقيت أسيرة الصراعات والجدليات التي حاول الكثير من ساسة العراق ان يخلصوه منها، دون طائل او نتيجة، أما لظروف موضوعية، أو لنزعات قومية وحزبية او طائفية حتى!. انتهج العراق سياسات غير واضحة في علاقاته المحيطة، ففي الوقت الذي تفجرت الأزمة الخليجية عام 2017 والتي انتهت بقطيعة خليجية لقطر، لم يكن للعراق موقف واضح من هذا الإشتباك، وفي الوقت الذي تصاعد فيه أوار الصراع الإيراني – الخليجي، كانت السعودية تعتبر العراق طرفاً في معادلة ضدها، وهكذا اعتبرت الأمارات أيضاً، وأصبحت سياسة العراق الاقليمية غير مفهومة، بل وتحول هو الى منطقة صراع أقليمي واشتباك غير قابل للتفكيك. بوصول الكاظمي الى رئاسة الحكومة، راح الرجل يعمل بخطة ذكية، ويقود بنفسه سياسة أقليمية جديدة، قائمة على التحالف مع الجميع، وتصفير الأزمات مع الكل. فالمعادلة الصفرية التي يقودها الكاظمي في العلاقات الخارجية، قائمة على مبدأ، العراق ليس صديقاً للجميع بدون مقابل، وليس عدواً لأي دولة دون سبب!. بمعنى، أن العراق ليس طرفاً في أي عداء يتجاوز مصالحه القومية والوطنية، وليس جزءاً من حلف او صداقة لا تؤمن مصالحه الوطنية والقومية، ولذا فأن العراق سيكون صديقاً لإيران، قدر احترام إيران لسيادته وحقوقه، كما هو الحال مع تركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت وقطر والبحرين والأمارات، وكل دول الأقليم، فلا عداوات مجانية، ولا صداقات وتحالفات مجانية. بهذه العقلية (البرغماتية الواقعية) سيكون العراق منذ الآن وصاعداً، لاعباً مهماً في سياسات المنطقة، بعد أن يخرج من مواقف (الاستعداء أو الاستصحاب المجاني) الى منطقة بناء منظومة علاقات خارجية وطنية تؤمن مصالحه، وتؤمن له سيادته وقوته أيضاً. وهذا نجاح أخر لحكومة الكاظمي التي يبدو أنها تعيد انتاج كل التعاريف الخاصة بالعراق كدولة وكيان أقليمي عربي فاعل. ولاشك أن الفضل يعود في هذا لشخص الكاظمي، الذي تتجذر في أعماقه خصلة التوازن والموازنة مع الغير، فالذين يعرفون مصطفى الكاظمي عن قرب يسجلون له صبره وسعة صدره، وبرودة أعصابه، وقدرته على إحتواء تفاعلات الآخر وتوترات المشهد برمته، حتى يقال أن الكاظمي لم يغضب أو (يزعل) من صديق أو زميل طيلة حياته، حتى لو إستدعى الموقف (زعلاً) منه - طبعاً بإستثناء ما يتعلق بالكرامة، والغيرة الوطنية ومايتعلق بالعقيدة- والكثير من المحللين يقرون بأن هذا الهدوء الفائق، وعمق الخاطر لديه، كانا سببين في نجاحه كمسؤول في جهاز المخابرات ورئاسة الحكومة.. ولحكاية الكاظمي صلة وبقية..
*
اضافة التعليق