بغداد- العراق اليوم: كان ترشيح رئيس جهاز المخابرات العراقي، مصطفى الكاظمي، ضربةً من الضربات الموجعة لأصحاب المشاريع الطائفية في البلاد، وكان انتكاسة لبازار سوق الأستقطاب القائم على سلعة الحشد الطائفي، فهناك فئتان من السياسيين، بصراحة شديدة، الأولى ذات توجهات شيعية، تعيش على مفاهيم العداء الطائفي او الاستعداء، ولا تملك مشروعاً سوى الاتكاء على لغة الكراهية والتحريض، وبالتأكيد تقابلها فئة من الطائفة الأخرى، تعادي كل ما هو شيعي بالضرورة، وتعتبر كل ما تنتجه الساحة السياسية الأخرى، إيرانياً، وتوصم كل السياسات العراقية بنزعة طائفية، وهكذا فأن هاتين الفئتين تعيشان ظاهراً عداءً شديداً، لكن الظاهر يقول شيئاً أخراً، أنهما تتخادمان، بشكل بأخر، بإتفاق أو بدونه، تندفعان في مواجهة بعضهما شكلياً، لكنهما تعرفان أن الطائفية هي الأكسير الوحيد الذي يمدهما بأسباب البقاء، والإنتعاش، فكيف اذا كان الخيار هذه المرة، خياراً لا طائفياً، وكانت الرؤية الوطنية هي الفصيل، هنا سترى أن هاتين الفئتين تجتمعان بلا مواربة أو تغطية على تعطيل المشروع الذي سيهدد وجودهما للأبد. فبعد أن نفدت الإتهامات، وأصبح الأمر واضحاً من هذه الاطراف، وشخص الشارع مشاريعها الطائفية البغيضة التي لم تجلب للعراقيين سوى الدمار والخراب والقتل والتهجير والنزوح الجماعي، ها هو رئيس وزراء عراقي صرف، شيعي في الانتماء المذهبي، عراقي صميمي، ويعيش هاجس اعادة البلاد الى المجتمع الدولي وتجاوز عقد الجغرافيا والتاريخ، والعبور فوق الايدلوجيات الضيقة الى فضاء الانسانية الرحب. هذا الرجل سيهدد العروش المبنية على جماجم الفقراء، وسيطيح بأساطين الفساد الطائفي، وجناة المال الحرام، وسيكشف لعبة الطائفية السوداء التي لا يربح فيها غير فقهاء الفتنة، ومروجي الكراهية، وحينذاك ستكون البلاد مجرد مساحة لتنفيس احقاد تاريخية، وأقتتال اهلي مدمر. لكن ترشيح الرجل من القوى السياسية الوطنية بأجمعها، كان رسالة شديدة البلاغة على نزوع جديد في العملية السياسية للفظ هذه النماذج الطائفية، والقاء بضاعتها الفاسدة في مزابل التاريخ، ولذا نرى أصوات مبحوحة، طائفية بغيضة كصوت ناجح الميزان وغيره ممن يتاجرون بهذه البضاعة يهاجمون الحكومة ورئيسها، وترتفع الأصوات ضد أي خطوات قانونية تسير بها حكومة الكاظمي، فحين عجز (الميزان) على سبيل المثال ان ينال من رئيس الوزراء، ولم يجد أي مثلبة على الرجل من بعيد أو قريب، ظهر ليقول في تهمة مضحكة أن الكاظمي إيراني، مع أن الكل يشهد أن الكاظمي لم يعرف عنه مع أي محور شرقي أو غربي، بل كان على الدوام عراقي الهوى والهوية والانتماء، وأنه يميل الى ان يأخذ العراق دوره في إدارة دفة الأمور الأقليمية كدولة فاعلة ومهمة، فكيف يمكن أن نصدق مثل هذه التخرصات المغرضة، لكننا نستطيع أن نفسرها بأنها جزء من المعادل الموضوعي للأصوات المتطرفة من الطائفة الأخرى التي تتهم الرجل بأنه سعودي الهوى !. ولعمري ان هذه الأصوات العالية من هولاء وحدها تكفي للقول ان محور الطائفية ذاهباً الى زوال نهائي وان العراق باق مهما طالت اعمار المرتزقة والحاقدين على وحدته.
*
اضافة التعليق