د. نبيل المرسومي
يعد ميناء الفاو الكبير من المشروعات الاستراتيجية المهمة في العراق، إذ يسهم إنجازه بمنح العراق اطلالة على مياه الخليج العربي، والمتمثل في القنوات الملاحية الدولية التي تربط الخليج العربي وميناء أم قصر وخور الزبير ومن ثم الموانئ العالمية في أعالي البحار.
إن أرصفة الموانئ الحالية بطاقاتها التصميمية التي بحدود (15.90) مليون طن سنويا ً,ستكون غير قادرة على تلبية الطلب المتوقع من الاستيرادات والصادرات للعراق مستقبلا ً والتي تم تقديرها بـ (53) مليون طن في سنة 2018, فضلا ً عن أن الأعماق المتاحة في واجهات الأرصفة لهذه الموانئ ذات أعماق محدودة (6 - 12 ) متراً ً , غير قادرة على استقبال البواخر العملاقة للحاويات والحمولات المتنوعة و حمولات الفل , كما أن القنوات الملاحية العراقية تحتاج إلى عمليات الحفر ورفع الغوارق وأعمال صيانة مستمرة ,وعليه فإن أضافة أرصفة جديدة لميناءي أم قصر وخور الزبير سوف لا يلبي الطلب لا من حيث الحجم ولا من حيث إمكانية وصول السفن العملاقة ,بالتالي فإن المرحلة المقبلة تتطلب العمل على تلبية الطلب المتوقع من خلال إنشاء ميناء الفاو الكبير , الذي سيكون قريبا ًإلى المنافذ البحرية الدولية وتكون الأعماق مناسبة في القناة الموصلة اليه إذ لا تقل عن 17.5 مترا ً , والتي تسمح باستقبال البواخر العملاقة ذات حمولة (120) ألف طن , مما سيؤدي إلى انخفاض في كلف النقل إلى (100) دولار لكل طن , وبذلك سيوفر الميناء مبالغ مالية تبلغ 5,3 مليار دولار نتيجة انخفاض تكاليف النقل عند سنة الهدف والحال ينطبق على بقية مراحل انشاء الميناء, وأن الميناء الجديد سيحتوي على (35) رصيفا ً في سنة الهدف 2018, منها (22) رصيفا ً للحاويات و(13) رصيفا ً للبضائع العامة الفل , وعليه ستكون طاقة الميناء الاستيعابية بحدود (66) مليون طن سنويا ًللحاويات , و(33) مليون طن سنويا ًللحمولات المتنوعة وحمولات الفل ليصل المجموع إلى 99 مليون طن سنويا ً في سنة الهدف 2038 , ومن ثم فإن إنشاء ميناء الفاو الكبير سيسهم في الاًتي :-
استخدام العراق كقناة جافة لنقل البضائع إلى أوربا أو إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط في سوريا وتركيا
ان البصرة في حالة انشاء ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة يمكن ان يكون ممر عابر لتجارة الترانزيت من موانئ البصرة باتجاه أوروبا عبر تركيا برا من خلال شبكة سكة قطار وطرق مرورية مباشرة الى حدود تركيا، واتجاه اخر من البصرة برا من خلال سكة حديد وشبكة طرق جديدة الى موانئ البحر المتوسط عبر سوريا . اذ ان البصرة تمثل مركزا استراتيجيا مهما يربط العالم العربي مع ايران وتركيا ويربط اقتصادات الخليج وأوروبا ، ، وهذا يعني ان العراق والبصرة بالتحديد يمثل قلب مشروع طريق الحرير البري والبحري . ويمكن ان تكون البصرة منفذا مهمها من خلال القناة الجافة لنقل جزء من تجارة الصين مع الاتحاد الأوربي التي تزيد عن 680 مليار يورو . ان العراق من خلال البصرة في موقع حيوي على طريق مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومؤهل لأن يلعب دورا كبيرا فيها، والصين تدرك هذه الأهمية، وهي مستعدة تماما لدعم المشاريع بالعراق ضمن هذه المبادرة .
معوقات انشاء ميناء الفاو الكبير
1.قلة التمويل
2.عدم وجود إرادة وطنية موحدة لتنفيذ المشروع على المستوى المحلي
3.الفساد المالي والإداري.
4. انعدام البيئة الأمنية والقانونية اللازمة لانجاحه
5.سوء الإدارة
6.عدم وجود شبكة نقل كفؤه تتناسب مع حجم المشروع
من المستفيد من تعطيل انشاء ميناء الفاو؟
ان التأثير السلبي لميناء الفاو على مصالح الدول الاقتصادية من خلال تحويل المسار التجاري وتخفيض عدد السفن التجارية التي تمر بموانئ الدول المجاورة ، اذ سيعمل ميناء الفاو على توفير عملية النقل المتعدد الوسائط ، اذ يمكن توفير وقت يتراوح ما بين 20-25 يوم للرحلة من شمال أوروبا الى جنوب شرق اسيا عبر قناة السويس ، وان ذلك سيؤدي الى توفير المليارات من الدولارات لاقتصاد النقل البحري العالمي ، فضلا عن تخفيض تكاليف النقل والشحن والتأمين والتي تقدر ب(15%) من قيمة البضائع ، بسبب انخفاض المسافة البحرية التي تقطعها السفن التجارية ، وبالتالي انخفاض أسعار البضائع والسلع نتيجة لانخفاض المسافة الناتجة من انشاء ميناء الفاو عبر القناة الجافة . كل هذه الأسباب كانت عاملا مهما في محاولة عرقلة او ابطاء انشاء ميناء الفاو الكبير من قبل بعض الدول واهمها :
1.الامارات العربية
2.مصر
3.الكويت
4.ايران
بداية العمل في ميناء الفاو الكبير
تم وضع حجر الأساس لميناء الفاو الكبير عام 2010 ، وفي نهاية العام 2012 توقيع عقد إنشاء كاسر الأمواج الشرقي مع شركة يونانية وبطول 8 كيلو متر و200 متر بكلفة 204 مليون يورو، اما الكاسر الغربي والذي يبلغ طوله 16 كم و500 متر، فقد نفذته شركة دايو الكورية بكلفة 511 مليون يورو . ومنذ مارس/ آذار عام 2020، فازت شركة دايو بعقود بقيمة 460 مليون دولار في العراق، بما في ذلك مشاريع بناء الطرق والمطارات. لقد تم التفاوض بين وزارة النقل وشركة دايو الكورية لانجاز المرحلة الأولى من الميناء لعدة اسباب منها، لديها قرار من مجلس الوزراء السابق باستثنائها من شروط العقود الحكومية من اجل الاسراع و رفع وتيرة العمل، كما ان آليات و مكائن الشركة و ملاكاتها الهندسية و الفنية موجودة في ارض العمل مما يوفر وقتا و جهدا اسرع. وتم التوصل لاتفاق مبدئي لتنفيذ خمسة مشاريع وبعمق حوض الرسو والقناة الملاحية بعمق 19.8 بمبلغ اجمالي قيمته ملياران و ثلاثمائة وسبعين مليون دولار و بمدة تنفيذ تمتد الى ثلاث سنوات ونصف . وبعد تعيين المدير الجديد لمشروع ميناء الفاو حضر الجانب الكوري المتمثل بشركة دايوو وعلى راسهم معاون مدير شركة دايو القادم من سيؤول، اذ طالبت شركة دايو برفع سقف مبالغ التنفيذ من 2 مليار و370 مليون دولار الى 2 مليار و800 مليون في ما لو ارادت الوزارة الوصول لاعماق 19.8 بدلا من 14.3 متر .
لماذا يجب ان تكون أعماق ميناء الفاو الكبير 19 مترا ؟ تؤثر أعماق الموانئ تأثيرا كبيرا على حجم السفن التي يمكن ان تستقبلها تلك الموانئ وكلما كانت الأعماق كبيرة كلما أدى ذلك الى سهولة استقبال السفن العملاقة والعكس صحيح ، ففي ميناء لوس انجلوس الامريكي تم تعميق الميناء بقدم واحد فقط أي 30 سم فقط فاصبح عمقه 66 قدم بدلا من 65 قدم لكنها كانت كافية لزيادة حمولة الناقلات النفطية العابرة من الميناء بنحو 40 الف برميل من النفط . وعندما يكون عمق ميناء الفاو الكبير 14 متر فهذا يسمح فقط بإستقبال السفن التي لا تزيد حمولتها عن 7 آلاف حاوية في حين ترتفع هذه الحمولة الى 20 الف حاوية عندما يصل العمق الى 19 متر .
وعندما يكون عمق الميناء 14 مترا سيتعذر عليه استقبال السفن ذات الحمولات الضخمة المحملة في البلد المصدر مما تضطر الى مناقلة حمولتها في ميناء جبل علي الى سفن متوسطة او صغيرة ثم نقلها الى ميناء الفاو الكبير في حين ان الميناء يمكن ان يستقبل تلك السفن العملاقة لو كانت اعماقه 19 مترا ، وهذا امر مهم جدا في حساب التكاليف والارباح وبحجم الحمولات التجارية المتدفقة من خلال ميناء الفاو الكبير . علما ان كلفة الحفر لأعماق 19 متر والتي تسمح باستقبال البواخر العملاقة ذات حمولة 120 الف طن ، لا تزيد عن 800 مليون دولار تشكل نحو 10% من اجمالي كلفة بناء ميناء الفاو الكبير وفقا لدراسة الجدوى الاقتصادية والفنية التي انجزتها مجموعة الشركات الإيطالية والتي على أساسها تم تحديد الطاقة الاستيعابية للميناء بنحو 99 مليون طن سنويا منها 66 مليون طن للحاويات و33 مليون طن للحمولات المتنوعة
لماذا غيرت شركة دايو عرضها لبناء ميناء الفاو الكبير ؟
قد يرتبط تغيير عرض شركة دايو الكورية الخاص بتنفيذ المرحلة الأولى من ميناء الفاو الكبير بسعي الشركة لابتزاز العراق من خلال رفع كلفة الإنجاز بمقدار 430 مليون دولار ليصبح 2.8 مليار دولار بدلا من 2.370 مليار دولار مع تمديد المدة الزمنية المتفق عليها سابقا والمحددة 3.5 سنوات. او انه مرتبط بعوامل أخرى اذ شهدنا مؤخرا وخلال مدة زمنية قصيرة سلسلة من الاحداث المترابطة التي ربما تكون قد ضغطت على شركة دايو ودفعها الى الانسحاب وربما ايضا قد تعرضت لضغوط داخلية مرتبطة بقوى اقليمية ربما لها علاقة بما جرى ، وهذه الاحداث يمكن توضيحها كما يلي :
1.شراء شركة موانئ دبي لحصة من ميناء حيفا وسعيها لافتتاح خط ملاحي مباشر بين ميناء جبل علي وميناء حيفا . اذ تعد شركة "موانئ دبي العالمية ، أحد أكبر مشغلي الموانئ في العالم، حيث تشرف على إدارة أكثر من 77 ميناء عبر العالم، من بينها ميناء "جبل علي" بدبي . وقد كشفت مجلة اقتصادية إسرائيلية عن اقتراب استحواذ شركة "موانئ دبي" على مناقصة خصخصة مرفأ "حيفا"، وتخطط لربطه بالعراق، اذ اشترت موانئ دبي 30% من المشروع، والسيطرة عليها بيد إسرائيل، إضافة لتعاون الشركتين في إنشاء خدمة الشحن المباشر من ميناء جبل علي من دبي إلى ميناء إيلات، ويتوقع أن يبدأ تشغيل الخط الشهر المقبل، وتكون مدة الإبحار 10 أيام فقط مع سفينتين على الخط ستنقلان المنتجات الزراعية بعد ان كان متعذرا الإبحار مباشرة من الإمارات الى اسرائيل، وهو ما سيتغير الآن، اذ تتمتع حيفا بموقع لوجستي مثالي لنقل البضائع للعراق، لأنه خلال فترة الحكم البريطاني في المنطقة، كانت هذه هي الطريقة المستخدمة لنقل النفط من الشرق الأوسط لأوروبا عبر خط أنابيب يبدأ من شمال العراق في كركوك، وتحظى حيفا بموقع يسمح باتصال قصير بالعالم، فالمسافة بين حيفا وبغداد 900 كم، في حين أن المسافة بين البصرة وبغداد 600 كم .كل هذا يحدث ومازال العمل لم يبدأ بعد بميناء الفاو الكبير .
2.مقتل او انتحار مدير شركة دايو التنفيذي المكلف بإدارة العمل في ميناء الفاو الكبير . أن قضية انتحار او مقتل مدير الشركة جاءت بعد الإعلان الرسمي لوزارة النقل قبل أيام قليلة عن قرب توقيع عقد المرحلة الأولى لميناء الفاو الكبير مع هذه الشركة الكورية وإتمام الوصول إلى الصيغة النهائية للتنفيذ . ويتهم البعض وفي مقدمتهم النائب السابق ، وائل عبد اللطيف ، دولا بالوقوف وراء واقعة مدير شركة دايو الكورية، المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير ويضيف إن “دولا مجاورة عملت على تعطيل انجاز مشروع الفاو الكبير، لأن سيحظى بالأولوية من الناحية التجارية في المنطقة . وقد يكون المدير التنفيذي قد انتحر بالفعل نتيجة لتعرضه لضغوطات او ابتزازات من جهات داخلية او إقليمية لعدم المضي قدما في تنفيذ المشروع .
3.ايقاف الكويت العمل في ميناء مبارك الكبير . اذ أكد المدير العام لمؤسسة الموانئ الكويتية في 13 تشرين الأول 2020، إن بلاده علقت العمل في مشروع ميناء مبارك الكبير بجزيرة بوبيان، والذي تبلغ تكلفته 6.5 مليارات دولار، مرجعاً ذلك إلى "إجراء مزيد من دراسات الجدوى وقال إن أرض المشروع يمكن إتاحتها لمشاريع أخرى، مثل توليد الطاقة وتحلية المياه .
وبالنظر إلى عمق المياه المحاذية لمشروع الميناء عند 1.5 متر، فإن تكاليف الجرف والأعمال ستكون هائلة، ولن يبدو إنشاء ميناء مُجدياً أو مربحاً، وتسبب المشروع أيضاً بمشاكل جيوسياسية العراق . وقال ان أحد أسباب إيقاف المشروع، التي قال إنها ترجع إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلاده بسببب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط . . یعد میناء مبارك من أھم وأكبر مشاریع خطة التنمیة التي تقوم بھا الكویت لتشكیل محور نظام نقل إقلیمي في المنطقة یدعم خطط الكویت التنمویة. وسیساھم المشروع في انفتاح الكویت على العالم تجاریاً واقتصادیاً وتحویلھا إلى مركز تجاري ومالي عالمي وبعد انتھاء المشروع سیتم إنشاء مدینة للصناعات الخفیفة لدعم المیناء إضافة إلى بعض المباني الحكومیة ، وسیتم إنشاء بحیرة صناعیة ومنتجعات سیاحیة ، بالاضافة الى إنشاء مناطق سكنیة وتجاریة في المستقبل . وتسعى الكویت بإنشائھا ھذا المیناء لیكون البوابة الرئیسة للتجارة العالمية ولكن هذا يرتبط بتأسيس الربط السككي بين الكويت والعراق لنقل التجارة الى اوربا ومن دون هذا الربط لا يمكن تحقيق الأهداف الكويتية التي استهدفها انشاء هذا الميناء .وفي ضوء هذه الحقائق أصبح الخط التجاري عبر العراق خیاراً اقتصادیاً راجحاً لنقل تلك التجارة كبدیل للملاحة حول رأس الرجاء الصالح في حال انشاء ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة الناقلة للتجارة العالمية . وقد يكون هذا التوقف المفاجئ لميناء مبارك الكبير مرحليا او تكتيكيا يمكن ان يستأنف العمل به عندما يتخلى العراق عن بناء ميناء الفاو بإعماق 19.8 متر من خلال الضغوط التي مورست على شركة دايو وربما تكون الكويت قد أسهمت بها ، ولذلك عندما يكون عمق ميناء الفاو الكبير 14 متر سوف ينعكس ذلك سلبيا على الاهمية الاقتصادية الدولية لميناء الفاو الكبير والقناة الجافة مما سيظهر الحاجة الى أهمية الربط السككي بين العراق والكويت من خلال ميناء مبارك الكبير كحلقة وصل للتجارة العالمية بين آسيا واوربا
خيارات الاستثمار المتاحة في بناء ميناء الفاو الكبير
هناك خيارات عديدة يمكن ان تلجأ اليها الحكومة العراقية لبناء ميناء الفاو الكبير وهي :
1.1.تمويل الاستثمار المقدر في المرحلة الأولى بحوالي 2.370 مليار دولار من الموازنة العامة وهو امر من الصعب تحقيقه في ظل الازمة المالية التي يعاني منها العراق حاليا .
2.اللجوء الى الاقتراض الخارجي من المؤسسات المالية الدولية 2..
3.3.اصدار سندات خاصة للجمهور باسم سندات ميناء الفاو الكبير بآجال استحقاق معينة كأن تكون لمدة 4 سنوات وبما يعادل كلفة المشروع .
4. 4.اعلان ميناء الفاو الكبير شركة مساهمة مختلطة للاكتتاب العام وطرح الأسهم للمواطنين، وبنسبة 49% مقابل 51% لوزارة النقل
التي قدمت عرضا لإنشاء ميناء الفاو CMEC إعادة التفاوض مع الشركة الهندسية الصينية 5. الكبير عام ٢٠١١ على طريقة تسليم المفتاح وبكلفة ٦ مليارات دولار تدفع على شكل نفط خام بعد ٦ سنوات من افتتاح الميناء وبسعر يوم التحميل علما ان سعر الفائدة لتي طلبتها الشركة الصينية هي واحد بالألف وضمان سيادي من وزارة المالية . ومازال عرض الشركة قائما .
، وبموجب هذا النظام تمنح وزارة النقل حق التملك لميناء الفاو الكبير خلال مدة BooT6.اعتماد نظام
زمنية معينة للشركة الأجنبية صاحبة الامتياز التي تقوم بتمويل وبناء المشروع وتشغيله وصيانته وتقاضي الرسوم المقررة . وبعد انتهاء مدة الامتياز تنقل ملكية المشروع مرة أخرى الى وزارة النقل . أي ان هذا النظام يمكن الإشارة اليه على انه : البناء – التملك – التشغيل – نقل الملكية .