د. نبيل المرسومي
الورقة البيضاء White paper هي تقرير أو دليل رسمي يساعد في حل مشكلة ما. تستعمل الأوراق البيضاء لتعليم القراء ومساعدة الناس في اتخاذ القرارات، وغالباً ما تُطلب وتستعمل في علم السياسة، والأعمال، والحقول التقنية. في الحقل التجاري، يشير هذا المصطلح أحياناً إلى المستندات المستعملة من قبل الشركات كأداة تسويق أو مبيعات. وغالبا ما يطلب صناع السياسات أوراقاً بيضاء من مراكز البحوث أو الجامعات أو أشخاص أكاديميين بهدف دعم مطوري السياسات بآراء الخبراء أو بأبحاث ذات صلة.
تستند برامج التثبيت الاقتصادي إلى أفكار المدرسة النيوكلاسيكية حول ميزان المدفوعات وكيفية تصحيح الاختلال فيه ، تبنى صندوق النقد الدولي مفهوم التثبيت ، الذي يتضمن السعي نحو أسعار الصرف الحقيقية وتصحيح الاختلال في ميزان المدفوعات والموازنة العامة ، لذلك فقد هدفت سياسات التثبيت الاقتصادي إلى معالجة الاختلال في ميزان المدفوعات في المدى القصير من خلال ضغط مستوى الطلب الكلي عن طريق إتباع سياسات مالية ونقدية ذات آثار انكماشية ، أي الانضباط في السياستين المالية والنقدية. وتتمثل هذه السياسات في تخفيض قيمة العملة الوطنية ، خفض الإنفاق العام ، ترشيد الاقتراض الخارجي ، رفع أسعار الفائدة الذي يؤدي بدوره إلى تحفيز الادخار من جانب وترشيد الاستثمار من جانب آخر ، فضلا عن تأكيد سياسات الصندوق على ضرورة وضع حدود عليا للائتمان المصرفي . وبالنظر الى أن سياسات التثبيت الاقتصادي ترتبط بمفاهيم الأجل القصير ، فإن تأثيراتها سريعة باتجاه خفض مستوى الطلب الكلي من خلال السياسات المالية والنقدية . وتؤدي المحصلة الايجابية لهذه السياسات إلى خفض عجز الموازنة وتراجع معدلات الإنفاق الاستثماري في إطار تحرير أسعار الفائدة وارتفاعها ، فضلا عن ارتفاع الضرائب غير المباشرة . ومن ثم فإن ورقة الإصلاح الحكومي لن تخرج عن اطار سياسات صندوق النقد الدولي واجراءاته التقشفية ذات التكاليف الاجتماعية الباهضة .
مشكلات الاقتصاد العراقي
تبدأ الورقة البيضاء بتحديد خلفية المشكلة الاقتصادية في العراق والتي لخصها بما يلي 1.توسيع دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع خاصة رواتب الموظفين والمتقاعدين التي نمت بنسبة 400% خلال المدة 2004 – 2020 ، على حساب الانفاق على البنى التحتية وبناء رأس المال الثابت في البلاد . وادى هذا الوضع الى قطاع خاص مضمحل وسوق عمل تميل الى التوظيف العام و الى الاستمرار المفرط في الاعتماد على عائدات النفط . 2.الدور الريعي للدولة : أدى التوسع الريعي للدولة الى تشويه الاقتصاد والمجتمع خاصة في قطاعات الماء والكهرباء والبطاقة التموينية حيث تقدم الدولة هذه الخدمات بشكل مجاني او شبه مجاني اذ ان هذا النظام مصمم منذ عام 1991 على أساس تخصيص حصة لكل اسرة عراقية بناء على عدد افرادها بغض النظر عن معدل دخل الفرد مما أضاف تكاليف اقتصادية اكبر بكثير من التكاليف المباشرة التي تقدر بنحو 2.4 ترليون دينار سنويا . كما ان تملك الدولة شبه الكامل لقطاعي الماء والكهرباء وتأثيرها المفرط في السيطرة على المدخلات والمخرجات بما في ذلك تحديد الأسعار وتقديم الدعم يفرض أعباء ضخمة على الحكومة لتمويل هذه الخدمات دون استرداد تكاليفها .حيث يكلف دعم الكهرباء لوحده 10 ترليونات دينار سنويا . 3.الضغوطات السكانية الناجمة عن ارتفاع معدل النمو السكاني الذي سيرفع عدد سكان العراق الى 50 مليون نسمة عام 2030 ، وارتفاع عدد الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة الى نحو 66% ، وهو ما سيؤدي الى إضافات كبيرة في القوى العاملة حيث سيدخل نحو 5 ملايين شخص الى سوق العمل خلال 2020 -2030 4.4.جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط وهو ما أدى الى ان تمثل نفقات الرواتب للموظفين والمتقاعدين نسبة 122% من عائدات النفط العراقية عام 2020 . وهذا الوضع أدى الى اتساع عجز الموازنة وزيادة الدين الحكومي . 5.ضعف المؤسسات المالية في العراق المتمثلة بغياب السياسات والأنظمة لإدارة الإيرادات الى جانب الاعتماد على التعاملات الورقية في عملية احتساب الموازنة . فضلا عن افتقاد العراق الى نظام إدارة المعلومات المالية المتكامل الذي يربط الكترونيا بين جميع وحدات الانفاق الحكومية إضافة الى حساب الخزينة الموحد الذي يجمع كل الحسابات الحكومية في حساب خزينة واحد ، وهذا يعني افتقار الحكومة للسيطرة على كامل البيانات والمعلومات المتعلقة بمصادرها المالية وارصدتها النقدية المختلفة
محاور الورقة البيضاء
1.تحقيق الاستقرار المالي المستدام
2. تحقيق إصلاحات اقتصادية كلية وفق أسس استراتيجية وإعطاء الأولوية للقطاعات الاقتصادية المنتجة وتوفير فرص عمل مستدامة .
3.تحسين البنى التحتية
4.توفير الخدمات الأساسية وتوجيه الرعاية الاجتماعية مع حماية الشرائح الفقيرة
5.تطوير الحوكمة والبيئة القانونية والإدارية
إيجابيات الورقة البيضاء
1.السعي لترشيد المالية العامة من خلال ضغط النفقات العامة وتعظيم الإيرادات العامة وتخفيض عجز الموازنة العامة من 20% الى 3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاث سنوات القادمة .
2. اصلاح نظام التقاعد وإيقاف تمويله من الموازنة العامة بشكل تدريجي وحصر الدفع بالصندوق فقط مع المحافظة على مساهمة الدولة ومراجعة تلك المساهمة . وضمان شمول كافة العاملين في القطاعات العام والخاص والمختلط والتعاوني بتغطية الاستحقاقات التقاعدية بما يتيح الانتقال السهل من عمل لآخر.
3.تفعيل برنامج استرداد الأموال المهربة والمسروقة .
4.زيادة إيرادات الكمارك والضرائب بتحسين الإدارة والتحصيل
5.تنفيذ إحصاء شامل لموظفي الدولة من اجل تطبيق نظام الكتروني للموارد البشرية وموائمة الرواتب والمخصصات الحكومية وفق المعايير الدولية .
6.اعادة هيكلة الدين الحكومي المحلي .
7.اصلاح المصارف الحكومية ومعالجة مستوى رساميلها ، وتطوير المصارف الاهلية ، وتسريع وتيرة الخدمات المصرفية الالكترونية والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول ، وتفعيل نظام التأمين على الودائع من اجل تعزيز ثقة المودعين بالقطاع المصرفي الخاص .
8.زيادة السقوف التأمينية من اجل تمكين شركات التأمين من تغطية المشاريع الكبيرة .
9.تمويل مشاريع القطاع الخاص من خلال انشاء صندوق مدعوم من الجهات الحكومية والمصارف الخاصة وتخصيص جزء من المنح الخارجية .
10.تسديد المستحقات المتأخرة منذ عام 2014 لمقاولي المشاريع الحكومية والفلاحين والمستثمرين في انتاج وبيع الكهرباء ، واية مستحقات أخرى للقطاع الخاص المحلي .
11.تأسيس لجنة عليا للعقود المركزية تختص بالنظر في جميع العقود التي تزيد قيمتها عن 10 مليارات دينار.
سلبيات الورقة البيضاء
1.الكلفة الاجتماعية الباهضة التي تترتب على تطبيق إصلاحات الورقة البيضاء والتي يتحملها الفقراء وذوي الدخل المحدود من خلال :
أ.تخفيض فاتورة الأجور والرواتب من 25% من الناتج المحلي الإجمالي الى 12.5% خلال ثلاث سنوات
ب. اعادة هيكلة سلم الرواتب العامة من خلال إيقاف عمليات التوظيف والاستبدال الجديدة في القطاع العام
ج. تطبيق ضريبة الدخل على مخصصات الموظفين والحوافز والعلاوات وغيرها .
د. تخفيض اجمالي الدعم الحكومي من 13% من الناتج المحلي الإجمالي الى 5% خلال ثلاث سنوات والذي يمتد من أجور الكهرباء والوقود الى الغاء البطاقة التموينية واقتصارها على المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية بعد تنقيدها . وهو ما يعني في النهاية ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والمواد الغذاية ومن ثم ارتفاع مستويات التضخم في الاقتصاد العراقي .
2. اهملت الورقة لبيضاء اهم المشكلات الاقتصادية التي تحول دون تنمية الاقتصاد العراقي والمتمثلة بالفساد وهو ما يعبر عنه بالمرتبة المتأخرة للعراق في مؤشر مدركات الفساد اذ يقع في المرتبة 168 من اصل 180 دولة . يعد الفساد أحد أهم مشاكل التنمية المستدامة ؛ فالفساد يقوّض الثقة العامة في الحكومة والشركات الخاصة، ويسبب الظلم، ويقلّل من كفاءة العمليات المختلقة ، كما ويعيق القدرة على الاحتفاظ بموظفين ذوي جودة عالية، ويعيق جذب الاستثمارات ، ويسبب هدر الموارد والأموال . ويؤثر ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻭﺍﺴﻊ ﺍﻻﻨﺘﺸﺎﺭ في العراق ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺨﻴﺭ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ وتشويه الهيكل الاقتصادي وهدر الموارد ﻭﻋﻠﻰ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﻤﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺒﺸﻜل ﻏﻴﺭ ﻤﺘﺴﺎﻭ ﻋﻠﻰ ﺤﺩ ﺴﻭﺍﺀ ﻭﺫ ﻟﻙ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺘﻌﻤﻴﻕ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﺨﻭل ﻭﺨﻠﻕ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻷﺼﻭل ﻭ سوء ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﻲ ﻭﺍﻨﺤﻴﺎﺯ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻀﺭﻴﺒﻲ ﻭﺍﻟﺘﻭﺯﻴﻊ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ للثروة ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻘﺭﺍﺀ . واللافت ان وزير المالية العراقي ذاته يقول بان هناك نحو 250 مليار دولار مفقودة في العراق تكفي لبناء عدة دول ومع ذلك لم نجد كلمة فساد في الورقة البيضاء ومن ثم لم تنطوي الورقة على اية معالجات جدية لمواجهة الفساد واستعادة الأموال من الفاسدين . ان ورقة الإصلاح البيضاء تؤكد على مسألة ترشيد الانفاق الحكومي وإعادة هيكلة بناء الرواتب، ومهما توسعت الإيرادات فلن تستطيع تغطية النفقات التشغيلية التي تعد بأنها اكبر فساد موجود في الدولة
3.لم تتطرق الورقة الى المحاصصة الطائفية التي تم على أساسها اشغال المناصب العامة والتي أدت الى تراجع الأداء في المؤسسات العامة وتدني كفاءتها وقدراتها التنافسية
4.لم تتضمن الورقة اية إشارة الى الفضائيين وهم الموظفون الوهميون الذين يتقاضون الرواتب من دون دوام او عمل كما تخلو الورقة من معالجة ظاهرة الرواتب المزدوجة . والعراق هو الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعرف عدد موظفيها ، ولا يوجد في العالم دولة تعطي رواتب لموظفين لا تعرف عددهم إلا العراق بسبب وجود فساد كبير في قضية رواتب الموظفين .
5.لم تؤشر الورقة الفشل الذريع في السياسات الحكومية المتعاقبة التي الحقت الضرر المتعمد بشركات القطاع العام وأوقفت معظمها فضلا عن تفشي الفساد وتعارض وجود هذه الشركات مع مصالح بعض السياسيين المرتبطة بالاستيراد من الخارج ، الامر الذي جعل معظمها شركات خاسرة او متعثرة .
6. لم تشر الورقة الى إخفاق الحكومات المتتالية في أخذ المبادرات لدعم تأسيس قطاع اقتصادي منتج خاص او عام يسهم في تطوير وتنويع الاقتصاد العراقي .
7.لا توجد أي إشارة في الورقة البيضاء للدور السلبي الذي قامت به حيتان الفساد لمنع تأسيس قطاع خاص وطني قائم على الشركات المنتجة .
8.تفتقد الورقة الى تحديد الآثار السلبية لتحرير التجارة الخارجية واغراق الأسواق العراقية بالسلع المختلفة على القدرة التنافسية للقطاع الخاص في السوق العراقية والتي أدت الى اغلاق عشرات الآلاف من المصانع والمزارع الخاصة ، وكذلك لم تتطرق الورقة الى كيفية بناء بيئة تجارية محفزة للقطاع الخاص العراقي من خلال وضح حد لسياسات الإغراق التجاري التي تقوم بها بعض دول الجوار وتعديل التعرفة الكمركية وبعض السياسات الاقتصادية لحماية المنتج المحلي
9. لم تتطرق الورقة الى الهدر الكبير في موارد العراق المالية الناجمة عن جولات التراخيص النفطية التي كلفت العراق 92 مليار دولار لغاية تموز 2020 .
10. قيام وزارة المالية بتطبيق برنامج لخفض الدعم المالي للشركات المملوكة للدولة بنسبة ٣٠% سنويا ولغاية عام ٢٠٢٤ لتكون جميع الشركات المملوكة للدولة ممولة ذاتيا تماما . ويتم تصنيف الشركات بين ناجحة يتم خصخصتها كليا او جزئيا او تحويلها الى شركات مساهمة مختلطة ، ومتعثرة يتم اعادة هيكلتها لتحويلها الى شركات ناجحة ، وفاشلة يتم تصفيتها . والغريب في الورقة هو دعوتها الى خصخصة الشركات العامة الناجحة التي ترفد الموازنة العامة بموارد جديدة .
11.لم تنطو الورقة على موقف محدد من سعر صرف الدينار العراقي واكتفت بالإشارة الى ضرورة دراسة سعر الصرف الحالي للدينار مقابل الدولار والاخذ بنظر الاعتبار متطلبات الاستقرار المالي والنقدي وتحقيق القدرة التنافسية للاقتصاد العراقية ، وبسبب ضبابية هذا الوقف اتسع الفارق في سعر الدينار مقابل الدولار بين السوقين الرسمي والموازي .
12. في المحور الخامس من الورقة، يشبر الى "تطوير الحوكمة والبيئة القانونيّة والإداريّة لتمكين المؤسسات والأفراد من تحقيق الإصلاح". أي وجودُ مؤسسّات دولة، راغبة وقادرة في أن تضع ذلك كُلّه موضعَ التطبيق ، دولة قويّة قادرة على بسط سلطة القانون على الجميع، دون أيّ إمكانيّة للإفلات من العقاب. أي وجود دولة بإمكانها تحقيق الأمن ، والسلم المُجتمعي. وهذا كله غير متوافر حاليا بسبب الافتقاد الى الدولة ذات الحكم الرشيد .
13.لم تعط الورقة البيضاء أهمية تذكر لمشكلة غسيل الأموال التي تبلغ حوالي 12 مليار دولار سنويا ، معظمه الى دول الجوار العربية وغير العربية .
14.لم تتطرق الورقة البيضاء الى ضرورة الشراكة بين القطاع الخاص المحلي والقطاع العام .
15.اهملت الورقية المشكلات الراهنة بين المركز وإقليم كردستان فيما يتعلق بتقاسم الموارد ولم تضع الحلول الناجعة لها
16. إن ما ورد من إجراءات إصلاحية ضمن المحاور الخمسة تدخل ضمن باب العموميات ، ولم تشر الورقة إلى آليات التنفيذ وكيفية تحقيقها ، على سبيل المثال كيف يمكن تفعيل برنامج استرداد الأموال المهربة والمسروقة ؟ أو تطوير قطاع السكك الحديدية او استكمال مشاريع المدن الاستثمارية كما لم يتم تحديد الاطار الزمني لإنجاز ميناء الفاو الكبير والسياسات المعتمدة في إنجازه .