بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي
في المقال السابق أشرنا الى نجاح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في زيارته الى كردستان، بالفوز بقلب المواطن الكردي البسيط، ونجاحه بإستعادة ولائه الوطني، و(سرقته) من (جيب) حكومة الإقليم، تلك الحكومة التي لم تتوقف عن السعي في تنفيذ مشروعها الإنفصالي، والتثقيف بإتجاهه من خلال رفع شعارات قومية رنانة، وهي تعلم قبل غيرها إستحالة تنفيذ وتحقيق هذه الشعارات، وقد أفلحت للأسف سياسة غسيل المخ التي مارستها القيادات البرزانية بحق المواطن الكردي، في إزالة البصمة الوطنية من ذاكرته، حتى باتت صورة العراق، وعاصمته بغداد، وصورة الحكومة المركزية لا تمثل لدى المواطن الكردي أكثر من ضخ (الاموال) الى خزينة الإقليم، ولا شيء آخر قط ! لكن ثمة إختلافاً كبيراً حصل اليوم بين ولاء المواطن الكردي البسيط، وولاء القيادات السياسية الكردية، إذ يبدو لي أن الكاظمي وضع البداية الفعلية لهذا الإختلاف في الرؤية والشعور والإنتماء، لذا يتوجب على الحكومات المركزية ان تدفع بإتجاه تعميق هذا الشعور الوطني لدى المواطن الكردي، عبر أبرام عقد شراكة وطنية وجدانية حقيقية مع المواطن الكردي البسيط، وفسخ عقد الشراكة المصلحية المبرم ظلماً مع القيادات الحزبية والسياسية الكردية - أي القيادات التي سرقت الحكومة المركزية والمواطن الكودي معاً - ! اليوم سنحاول ان نقرأ الوجه الآخر لرحلة الكاظمي الى كردستان، أي الوجه الخاسر في صورة هذه الزيارة.
هل فشل الكاظمي في تحقيق الأهداف التي سافر لأجلها ؟
لا شك أن الفقر المدقع، وانقطاع الرواتب والبطالة والمشاكل الاجتماعية، تتفجر في الأقليم الكردي هذه الأيام، فمن تظاهرات في بعض مدنه، الى قمع لأي حراك في اجزاء اخرى، فيما تواصل سلطات الأقليم الصراع فيما بينها من إجل المزيد من النفوذ وبسط الهيمنة، نعم، هكذا يصف مواطنون كرد عراقيون حالهم، متطلعين الى بغداد، علها تكون بوابة لخلاص طال انتظاره. لكن حتى هذا الأمل الضعيف، يبدو أنه غير قريب المنال، مع ضعف إمكانات بغداد، وقلة أوراقها للضغط على الإدارات الحزبية الكردية، التي تريد ان تلقي الكرة كلها في مرمى بغداد، الذي ما عاد يتسع للمزيد، وهذه المرة، يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن يوازن بين ما هو واقعي، وما هو متخيل عن قدرات حكومة اتحادية تعاني من مشاكل في الداخل، وتعيش أزمات اقتصادية قد تنتهي بتقويضها حال عجزت عن تأمين لقمة العيش لباقي فئات الشعب. لربما انعشت الزيارة الآمال الداخلية في كردستان العراق، ولربما أعطت للقيادات الكردية أملاً في تصريف الغضب الشعبي المتصاعد نحو بغداد، بغداد التي يصورها الإعلام الحزبي الكردي، بأنها التي تقف خلف ازمات الاقتصاد في الأقليم، وانقطاع التمويل، فيما تعجز حكومة المركز عن إفهام الشارع الكردي بالحقيقة، التي تقول ان سلطات الأقليم هي المسؤولة عن الأوضاع المزرية التي يعيشها المواطن الكردي. عاد رئيس مجلس الوزراء الى العاصمة، بعد جولات مطولة في الأقليم، ولقاءات سياسية وأخرى بطابع شعبي، وأيضاً وسط تكثيف اعلامي مدروس على ما يبدو لما يسمى بمخرجات الزيارة الناجحة. ولكن بمناقشة موضوعية، مع الأقرار والتسليم بأنها شكلت اختراقاً للجدار الصلد الذي صنعته الأحزاب الكردية بين بغداد ومواطنيها في هذه البقعة من العراق، لكن المخرجات التي يجري عنها الحديث كثيراً ليست موجودة سوى في الآمال والأمنيات. وإذا كانت الزيارة قد مكنت السيد الكاظمي من التأثير على وجدان المواطن الكردي عاطفياً، وتذكيره بهويته الوطنية العالية كما ذكرنا، فإننا نجزم أنها لم تفعل ذات الفعل، ولم تؤثر ذات التأثير في سلوك الطبقة السياسية الكردية، ولعل هذه الأسئلة تقرًبنا من المشهد الذي سنجد فيه ما نود البحث عنه في هذه الزيارة ! دعونا نبدأ بالسؤال الأبرز : هل نجحت زيارة الكاظمي في اخضاع سلطات الأقليم لسلطة بغداد، فيما يتعلق بتهريب النفط الخام، وبيعه خارج سلطة وزارة النفط وشركة التسويق الاتحادي كما يقول الدستور؟ وهل نجحت في اعادة المنافذ الحدودية والمطارات الى سلطات بغداد الاتحادية، بحيث تعيد القوات الاتحادية انتشارها في مراكز الحدود والمنافذ كما حصل مع منافذ وحدود الوسط والجنوب العراقية؟، وهل نجحت الزيارة في السماح لفرق الرقابة المالية والنزاهة الاتحادية بتدقيق سجلات موظفي الأقليم، ومعرفة الأعداد الحقيقية لهم، وأيضاً الاطلاع على سجلات الانفاق الممول من الخزينة الاتحادية؟ هل نجحت الزيارة في اعادة دمج البيشمركة وهي قوات تمول من خزائن بغداد مع القوات المسلحة بأمرة القائد العام للقوات المسلحة كما ينص الدستور، وبالتالي خضوعها لأوامره في الحرب والسلم؟. وهل نجحت في ايقاف التدفق والتهريب المستمر من مدن الاقليم واغلاق المنافذ الحزبية المفتوحة هناك؟ هل نجحت هذه الزيارة في استعادة المطلوبين للقضاء العراقي المقيمين في اربيل منذ عدة أعوام؟. كل هذه الاسئلة، يسبقها سؤال حقيقي ومهم، هل استطاع رئيس الوزراء الاتحادي مسائلة ادارة الأقليم عن الايرادات المليارية التي وصلتها منذ عدة اعوام، واين انفقت ولماذا حرم المواطن الكردي منها، ولماذا يعيش شظف العيش والفقر، فيما يكثر الحديث عن ثراء فاحش تعيشه طبقة رجال الحكم المتسلطين منذ اعوام على ابناء شعبنا الكردي ؟. هذه الأسئلة بحاجة الى أجوبة واقعية مقنعة، لكننا سننتظر طويلاً دون جواب، لأن الكاظمي نفسه لا يمتلك الأجوبة عن أسئلة هي أصلاً بلا اجوبة ! ختاماً نجيب على أسئلة من يبحث عن نتائج زيارة الكاظمي الى الإقليم بجواب رياضي محض: فالكاظمي الذي فاز بقلب المواطن الكردي البسيط في كردستان .. وحكومة الإقليم التي فازت بقوت، وأموال المواطن العراقي البسيط في الجنوب والوسط، بعد أن سرقت (جيب) الكاظمي في اربيل نهاراً جهاراً، الامر الذي جعل نتيجة هذه الزيارة تعادلاً بهدف واحد لكلا الفريقين !
http://iraqtoday.com/ar/news/44742/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85%D9%8A_
*
اضافة التعليق