بغداد- العراق اليوم: يتقاطعُ الشيعة في العراق، كثيرًا، يشرقون، ويغربون، يتفرقون مذاهب في مذهب واحد، وتحسبهم شتى، لكن قلوبهم واحدة، أنها تحملُ العاطفة الأرق، والعشق الأزلي لقضية يرضعونها لصغارهم جيلًا بعد جيل. أنها ولاء بعيد، غائر في تلافيف الوعي واللا وعي، من مدىً سحيق، هنا تستفزُ ايامُ محرم ( حيث ذكرى عاشوراء، وهي إستشهاد الإمام الحسين بن علي في العاشر من محرم عام 61 للهجرة على يد الجيش الأموي)، تستفزُ هذه الأيام الخيال الشيعي، وترتفع مناسب الثورية الى حيثُ مدياتها الأوسع، وتتلفعُ مدن الشيعة الفقيرة في الغالب، بالسوادِ، وتسير انت المتأملُ مع راياتً خفاقة تنبئك أنها ثورية، من الوانها الصاخبة، حيث السواد الغاضب، والأحمر القاني، والأخضر اللون الذي يرمز لقدسية الحادثة المأساويةِ. في الأيام العشرة الأوائل من شهرِ محرم، تتحول مدن الشيعة الى مسرح ثوري درامي، حيث النساء والشيوخ، والشبان، والفتيات، والأطفال يلبسون السواد، وتتلالئ من عيونهم الدمعة الساخنة، أنهم حزينون بإجماعهم، لا تجد أياً منهم يتخلف عن ركب الثورة، ولا أحداً يفارقه همً الحادثة التي شكلت افتراقًا مفصلياً في تأريخ الإسلام. حيثُ ان وما بعد حادثة عاشوراء الدامية، لم يستقر حكم بني أمية، ولم تكف الثورات في العهد العباسي فبقيت أثار وشحنات هذه الثورة خالدة في الضمير الشيعي الذي أصبح لا يتراجع عن إتهام السلطة القائمة، بأنها سلطة غاشمة وفاسدة، مقاسةً الى المثالية المختزنة في الذاكرة، فالشيعة يقيسون صلاح الحكم من عدمه، وفق مسطرة مبادئ الثورة الحسينية، حيثً العدالة، والكرامة، والحرية، وصلاح الحاكم، هي اساسيات يحددونها، فيخلدون الحاكم بطلًا ملهمًا حين يعدل ويصلح أمره، لذلك يحبون عبد الكريم قاسم، بل يعتبرونه لنزاهته، حسيني المنهج، ويعادون صدام حسين، الظالم المتغطرس، الفاسد الذي أراد اذلال الأمة، وتقويض روحها الثورية. هذا هو المقياس الوحيد لدى الشيعة في محاسبة الحاكم ومحاكمته وجدانياً، فحين نتحدث عن انتماء الحاكم المذهبي، قد يتفق الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله، والمجرم صدام في ذات الانتماء المذهبي، لكنهما يفترقان عند الوعي الشيعي، بكون الأول مثال الثورة الصالحة، ويمثل الأمتداد الحسيني الأصيل، فيما يرى ذات الوعي أن صدام أمتداد الخط الأموي الفاسد. اليوم يقود الشيعة ثورة ذاتية، مع أن البعض اخترقها، والبعض يحاول جاهدًا توظيف هذا الحراك ضد المبادئ العليا لدى هذه الجماعة العراقية، لكن المحاولات ستبوء بالفشل، فالجذر العميق الممتد لتربة كربلاء، لن يسمح لمن يعادي هذا النهج ان يستغل الفورة العارمة في النفس الشيعية التواقة للعدالة ان يمر وينفذ مشروعه التدميري والتخريبي ضد الشيعة. المقاربة في استذكار ثورة الحسين بن علي الاصلاحية، وأجواء عراق اليوم، سيكون لها أس واحد، وهي انها كانت ولا تزال المحرك الإجتماعي الأكثر تأثيراً، بل والمنفرد في محاكاة الواقع المعاش، فالحسين الثائر حي في ضمائر الشيعة العراقيين، وسيبقى ملهماً مهما بدت القضية بعيدة في الظاهر، لكنها الباطن الحقيقي لكل ما يجري في عراق اليوم. وللحديث صلة..
*
اضافة التعليق