بغداد- العراق اليوم:
قبل ٦٢ عاماً بالتمام والكمال كانت بغداد على موعد مع تأريخ جديد، كان هذا اليوم بوابة لغد اخر، حيث هدمت ثورة ١٤ تموز المجيدة اسوار التخلف والرجعية والعمالة للأجنبي، وانهت سنوات وعقود من التسلط والظلم والاضطهاد، واجهزت عبر صولة الجيش الظافر على اشكال الاقطاع الاجتماعي والسياسي، والغت عقوداً بل قرونًا من الطائفية المكرسة، وادخلت البلاد الى شكل من اشكال الممارسة السياسية الحقيقية، بعد ان افرغت السلطة الرجعية كل الحياة من اي معنى، واحتكرت نخبة فاسدة وعميلة كل الامتيازات لها، بينما كانت الاوبئة والامراض تفتك بالعراقيين فتكًا، وترزح اوسع الطبقات الاجتماعية عدداً تحت نير العبودية، والجهل، والخرافة. لقد شكلت القوى الاستعمارية حلفاً غير مقدس مع رجالات ذلك العهد، وامنت بقائهم في السلطة، مقابل ان يأمنوا مصالحها، لذا لم يكن امام الشعب من حل، ولم يكن امام القوى الوطنية التي شكلت جبهة الإتحاد الوطني، سوى اللجوء الى المؤسسة العسكرية، وان يناط بها فعل التغيير السياسي لانهاء مهزلة الخواء التي طالت، ولذا كانت الظروف الموضوعية انذاك، لا يمكن ان تحدث انقلاباً على ذلك الواقع الفاسد، سوى بتحكيم إرادة الشعب عبر قواته المسلحة.
لقد انهت القوات المسلحة بقيادة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم هذه الحقبة المريرة من تاريخ العراق، واعلنت عن ولادة فجر جديد، حيث بغداد اخرى وعراق اخر، لا يعيش فيه العراقيون سوى احراراً متساوين، وهدمت السدة اللعينة، وفكت الدولة نظام الاقطاع، وضربت اوكار الرجعية، واجهزت على الاستئثار السياسي، وشكلت الثورة اول حكم وطني في تاريخ العراق، واعلنت عهداً من الاخاء الوطني وانهت عقوداً من الحرمان والطائفية، كانت الثورة حلماً حققته رغبة الشعب التائق للخلاص، ومكنت قواه الوطنية من إستعادة المبادرة.
لفد انتهج الزعيم الوطني الخالد نهجاً عراقياً صرفًا، وعبر عن آمال وتطلعات شعبه، لذا حظي بالتفاف وطني قل نظيره في التاريخ، وكانت اصلاحاته جذرية شاملة، فمن قانون الاصلاح الزراعي، الى قانون التعليم والسكن ورفع المستوى المعاشي للأسرة، وصولاً الى النهوض بواقع القطاع الصحي، واعمار المدن ومحاربة الجهل، ومن اراد الاستزادة فليقرأ عما احدثته هذه الثورة من نقلة نوعية في العراق طيلة سنواتها الاربعة القليلة.
اليوم، ونحن نستذكر بسالة ووطنية الزعيم عبد الكريم قاسم، تمتلئ القلوب محبة له، ونقف احتراماً لتضحياته التي أمنت لنا الحرية والكرامة والإستقلال، متطلعين الى ان يخطو رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خطواته وان يحذو حذوه، ويواصل مسيرة الإصلاح السياسي والاجتماعي، وان تكون هذه الثورة العظيمة، وقائدها ملهماً له في كيفية بناء الأمة، وتجاوز العقبات، وتغليب روح التسامح، والعمل على خدمة الفقراء، وانصاف ضحايا النظام البائد بما يليق وما قدموه من تضحيات جليلة في سبيل انهاء حكم الاقطاع الطائفي السابق.
هي دعوة الى تخليد الراحل الشهيد عبد الكريم قاسم عبر احياء روح ممارساته الوطنية، ومبادراته التي كانت ولا تزال خالدة رغم تباعد الزمن، ورغم محن الواقع المعاش، وأمام الكاظمي - الفتى الطموح - فرصة تاريخية، لم ولن تتوفر لغيره مثلها، في أن يباري عبد الكريم قاسم في منجزاته، وأن يكون من مقلديه في العمل والتواضع والتجرد من كل إمتيازات المنصب، فهل يقدر عليها الكاظمي؟ نتمنى ذلك !
*
اضافة التعليق