محمد الحلبوسي.. المهندس الذي خرق القاعدة "السنية" واحرج ساسة "الشيعة "

بغداد- العراق اليوم:

اثناء إشتداد حملات المنافسة الشرسة بين الساسة السنة التقليديين، للظفر بمنصب رئيس مجلس النواب العراقي للدورة الحالية، ومجلس النواب كما يعرف الجميع،  اعلى هيئة تشريعية في العراق، وأوسعها صلاحيات وقوة، كانت الأنظار مشدودة الى شخصيات بذاتها، فهذه الشخصية المرشحة، تقف خلفها تركيا بكل ثقلها في الشارع السني العراقي، وتلك تقف وراءها الإمارات بكل تقاطعها مع المشروع التركي، وتلك تحاول المملكة العربية السعودية أن تدفع بها للواجهة، استثماراً لنفوذها النامي في العراق، وكان المراقبون السياسيون يقرؤون الأمر على أنه " مجرد صفقة أقليمية ستطبخ في عمان، وينتهي الأمر الى اختيار رئيس مجلس نواب سني تقليدي، سيعادي إيران، ويعمل بالضد من رئيس الحكومة " الشيعي" أياً كان وأنتهى الأمر". لكن ما حدث في الواقع هذه المرة كان المفاجأة الأكثر اثارةً، والضربة القاصمة التي استطاع المجلس النيابي الحالي توجيهها بقوة الى كل تلك الآراء التقليدية، حيث أتجهت البوصلة الى خيارات وطنية صرف، واستطاع النواب ان يطلقوا " لا " مدوية للصفقات العابرة للحدود، والناتجة من تحالفات اللحظة الأخيرة، فانتخبوا قائداً شاباً، سياسياً طموحاً، ذا تجربة جريئة وناجحة، فهو مقتدر، متمكن من إدواته، رغم صغر سنه السياسي، الا أنه "الجوكر" الذي افرزته الساحة السنية التي عانت طويلاً من أدعاءات التمثيل، ووأدت حركة انطلاقها، تحالفات الأقليم التي حولت الشارع السني الى ورقة تفاوضية تطرح على طاولات الحوارات المصالحية الدولية. نعم فقد أنتخب المجلس النيابي شاباً عراقياً محضاً، وإختار بشجاعة رجلاً عصامياً، ولد في العراق، ودرس فيه، وكتب خطوات نجاحه، الواحدة تلو الأخرى، حيث أنهى الشاب الطموح محمد ريكان الحلبوسي الدراسة الجامعية، حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة المستنصرية، وهي كما يعرف الجميع واحدة من اشهر الجامعات العراقية، قبيل الحرب التي أطاحت بنظام صدام، وواصل الرجل مسيرته الأكاديمية، حاصلاً على شهادة الماجستير في ذات التخصص العلمي، وبعدها إنطلق في رحلة كفاح وعمل ناجح، محولاً الفرص التي تتاح امامه الى محطات ناجحة. دخل الحلبوسي (الطموح) وهو في اوائل عقده الثالث المجلس النيابي العراقي، ليسجل سابقةً هي الأولى في دورات هذا المجلس الذي سيطر عليه الكهول طويلاً ليقدم أداءً ملفتًا في اللجنة المالية النيابية، حيث كان الرجل كتلة من النشاط والهمة والحركة، حيث يشهد له من زامله في هذه اللجنة، لكنه اوقف نشاطه في المجلس النيابي، متنقلاً الى محافظته المنكوبة بداعش في العام 2016، ليصبح محافظاً لها، ويكتب المهندس قصة نجاح تستحق الإشادة بقوة، إذ استطاع هذا الرجل الدؤوب من اعادة الحياة لهذه المدينة التي حولتها عصابات داعش الى مدينة اشباح. لاعباً أدواراً مهمة في عمليات التحرير، وتثبيت الأمن، وقبل ذلك بإعادة الحياة الى المدينة التي تخلصت من الكابوس الجاثم على صدرها، فكان الرجل يعمل بصمت على بناء ما خربته تلك الحرب، ويعيد ترميم ما شوهته سنوات الحرمان والتمرد والفتن العاصفة. حقاً، اصبحت الأنبار، مدينة يحتذى بها في تجربة الحياة ما بعد الحرب، ليخوض الرجل نزالاً أخراً في انتخابات عام 2018، ويترأس تحالف "الانبار هويتنا"، ليحقق فوزاً كاسحاً، عجزت عن تحقيقه قيادات سنية سخرت لها امكانيات دول، وميزانيات مفتوحة، فعاد الرجل الى المجلس النيابي وهو يحمل رؤى أكثر أرتباطاً بالواقع، فبعد تجربة بناء الحياة الجديدة في مجتمع ما بعد الحرب، يحمل الحلبوسي مشروعاً أخراً، أنه مشروع تثبيت مفاهيم الوطنية والتشارك الحقيقي في صناعة مستقبله. وكما اسلفنا فأن الرجل حظي بدعم حقيقي من التحالفين الأكبر في المجلس النيابي (الاصلاح والبناء)، وقبل ذلك حقق شبه اجماع في البيت السني الذي رأى فيه نافذة واسعة، واشارة بيضاء لفتح صفحة أكثر وفاقاً مع الشركاء. واليوم وبعد عام من الاداء المقنع، يمكننا أن نتحدث بثقة عن نجاح هذا الشاب، رغم قصر الفترة، في الظهور بمظهر رجل الدولة، والقائد الذي يمتلك الكثير من الحنكة والدربة في ميدان خطر كهذا، وأيضاً يملك كاريزما قوية لا تجرفها العواصف والرياح التي تحاول ان تعزل الشجر عن بعضه كما يقال. وللحق فإن الرجل اثبت شجاعة نادرة في الافصاح عن مواقف وطنية لاغبار عليها، فهو  السياسي الُسني الوحيد تقريباً ممن لا يتردد ولا يُحرج من الإشادة بالحشد الشعبي وقادته وتشكيلاته، وكيف أنهُ اسهم في تخليص العراق من آفة الموت الداعشية، كما أن الحلبوسي لا يخفي اعتداله، وقربه من شركائه في الوطن والمستقبل، وسيره بنهج واضح لا يقبل اللبس ولا التأويل، حيث يعمل بهدوء من إجل استعادة العراق موقعه العربي المؤثر، والأقليمي الفاعل، بعد عزلة قسرية، وسنوات من تحوله الى بؤرة توتر دولي، فهذا الرجل الذي حظي باستقبال امريكي رفيع قلما يحظى به رئيس مجلس نيابي عربي، ترى فيه الولايات المتحدة انموذجاً جيدًا لساسة عراق جديد، وأن خطابه وخطاه تنبعان من مصالح بلاده، فيما تراه الدول الأٌقليمية، رجلاً سياسياً عاقلاً ومتوازناً، ويراه شركاؤه على أنه رجل قابل للتعايش والعمل المشترك. فيما يراه الشارع العراقي، وهو الأهم في كل هذا، أنه الرجل العراقي الذي اثبتت التجارب أنه يعمل للعراق دون غيره، ويتحدث من مصلحة وطنية خالصة، وينطلق من قدرة ذاتية على الإمساك بخيط جامع مانع، فهو لم يظهر بمظهر الممثل السني لشارع محبط، قدر ما ظهر بمظهر العراقي الذي يريد أن يزيل الأحباط عن شارعه من جهة، ويرزع بذور الثقة مع الأخر من جهة أخرى.

الحلبوسي ..كسر للنمطية السياسية!

طبعاً، لا نضيف جديداً لو قلنا أن الدول المجاورة للعراق، تمتلك من التأثير والنفوذ الشيء الكثير، حيث تمتلك السعودية وقطر والامارات وتركيا نفوذاً على شخصيات وقادة واحزاب سنية، كما تمتلك ايران مثل هذا على الكثير من القادة الشيعة - وهو أمر لم يعد مخفياً - لكن حين تريد أن تحسب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على دولة أو جهة ما، فأنك ستفشل حتماً في ضمه الى أي معسكر شرقياً كان أو غربياً، لسبب بسيط، أن الرجل يقع جغرافياً وأخلاقياً وانتمائياً في المعسكر العراقي، وهو الموقع الذي بقي فارغًا للأسف سنوات طوال بإنتظار لاعبيه الذين يعلون مصالح الوطن قبل أي مصالح. فكانت ولادة هذا الرجل السياسية، نبؤة وفألاً حسناً في ولادة جيل سياسي شاب جديد سيكسر النمطية التقليدية، ويعيد الحسابات وفق رؤية وطنية خالصة، وهذا ما يدفعنا أن نشد على مثل هذه التجربة الواعدة دون غيرها. أننا أزاء تحول جذري في اللعبة السياسية العراقية، فاللمرة الأولى، ثمة رئيس مجلس نواب لا يستثمر في شتم وسب الحشد الشعبي كما هي الموضة لدى الساسة السنة، ولا يرفع رصيده برافعة العداء الطائفي المفتعل، ولا يدخل في بازار المزايدات والاتهامات والتخوين، ولأول مرة نحن امام رئيس مجلس نيابي يضع " مسطرة " الاداء العمياء عن التحسسات الجانبية لقياس جودة الاداء الوزاري، ومعرفة بوصلة النجاح من عدمه، بعيدًأ عن أي تقييمات جانبية، لذا فهو حين يمتدح الحشد الشعبي ونجاحاته، لا يتردد مثلاً عن رفع الحصانة عن نواب سنة بطلب قضائي، ويمرر الأمر على أنه جزء من اجراءات الدولة، وسيفعل الكثير من الاجراءات التي ستفاجئ السنة والشيعة، لأننا ازاء تجربة عراقية تتحرك في بحر متلاطم، لكننا واثقون تمام الثقة أن شراعها سيشق هذا الموج، وسيصل الى بر الأمان قريباً.

علق هنا