بغداد- العراق اليوم:
طوال ٣٥عامًا من القمع والقتل والهتك لحرمات العراقيين، كان الأمل يحدو الجميع في اقامة نظام ينصف الضحايا، ويحاسب الجلاد وجلاوزته، لذا كان مذبح الحرية يشهد يوميًا مئات من خيرة رجال العراق ونسائه ممن يقدمون النحور من اجل الخلاص، في وقت كان المنافقون وازلام البعث ينتشرون كالوباء في مؤسسات الدولة، وفي اروقة المجتمع، بل وحتى في اروقة الحوزة العلمية ذاتها، والتي كانت من اوائل القوى التي تصادمت مع البعث وفاشيته، لكن للأسف تسلل المرجفون والوكلاء وارتدوا زي الروحانيين، وفي سريرتهم البعث، وعقيدتهم الصدامية، فكان اعظم اختراق لهذه المؤسسة العريقة المجاهدة، ومع ذلك شخصت الاوساط الحوزوية هؤلاء وتم عزلهم، ولكن مع اختلاط الحابل بالنابل، تسلل هولاء النفر من جديد بعد ٢٠٠٣ الى اروقة السياسة وعاثوا فيها فسادًا، وبإسم الدين والحوزة ضربوا المفاهيم والقيم السامية، وتلك هي الطامة الكبرى. ولم يقف الأمر عند هذا، بل ان ثمة من نذر نفسه لتبييض صورة البعث السوداء، والدفاع عن ارث ذلك النظام الذي لم يترك جريمة الا واقترفها، ولا منكراً الا وفعله، فكان سقوطه الرهيب ايذانًا بأن يهتز العالم لهول الجرائم التي تركها البعثيون، الذين قتلوا الطفل والشيخ والمرأة، وهتكوا الاعراض، ودنسوا المقدسات، وثرموا البشر احياءً، ووأدوا النفس المحترمة بلا وازع من ضمير، حتى امتلأت الأرض العراقية بالمقابر الجماعية، حيث يتم الكشف عن مقبرة جديدة في كل حين. وحين انتفض العراقيون بوجه جرائمهم في هبة الشعب الكبرى عام ١٩٩١، اقترفوا جرائمهم المروعة، فدفنوا قرابة ٣٠٠ الف ثائر وهم احياء في مقابر جماعية، وسجنوا قرابة المليون عراقي في مطامير وسجون مظلمة، وهجروا مئات الآلاف من العوائل الى شتات المنافي، او لمعسكرات الاحتجاز الرهيبة لا سيما في صحراء رفحاء، تلك الرمال الموحشة التي ابتلعت زهرة اعمار شباب بعمر الورد، نجوا من المقابر الجماعية، فوقعوا في اسر اقفاص ال سعود الساخنة، فيما يلومهم اليوم نفر عجيب على تمردهم ضد سلطة صدام وجبروته وطغيانه، ويسألهم بكل وقاحة، لماذا بقوا احياءً ليحكوا هول ما جرى. نعم فجريمة هولاء الكبرى هي انهم نجوا من المجزرة، وكان الاجدر بهم ان يكونوا ضمن ضحايا المقابر الجماعية ليضيع الشاهد الأخير على جريمة العصر التي اقترفها البعث واذنابه. نعم، فاليوم ثمة من ينبري للنيل من جهاد ونضال ابناء شعبنا والثأر ممن لم تبطش بهم آلة النظام القاتلة، وثمة من يرفع شعارات الغاء تلك المظلوميات الهائلة، تحت باب العدالة الاجتماعية او الحفاظ على الحقوق، في كلمة حق يراد بها باطلاً، فهذا النائب الشيخ صباح الساعدي مثالاً على ذلك، وهو الرجل المتحول من حزب الفضيلة الى التيار الصدري، والمتسلل بأصوات ابناء التيار الصدري المجاهدين الذين اذاقوا النظام ذل المواجهة وكسروا شوكته، هم وقائدهم عميد الاسرى والسجناء الشهيد محمد صادق الصدر قدس سره الذي اعتلى منارة مقام امير المؤمنين معلناً وجوب الثورة على الظالم، وإذ يحاول صباح الساعدي ان يمحو هذا التاريخ كله، ويسدل الستار على هذا النضال من خلال الغاء حقوق وامتيازات السجناء السياسيين والشهداء والمعتقلين والمحتجزين في العراق وخارجه، في تناغم مشبوه مع الابواق الصدامية التي لا تزال تئن وتتألم وهي ترى ان ثمة من انصف ضحايا البعث، وثمة من يقف كشاهد يومي يذكر الناس بمأساة ما اقترفه هذا النفر الضال. نعم، فهذا الساعدي المنحدر من اصول بعثية يحاول الآن طمس جرائم البعث وصدام، من خلال تمرير قوانين وقرارات مشبوهة ضد الحقوق الاعتبارية الممنوحة للضحايا والشهداء، ويريد ان يلغي كل امتياز منحته الشرعة الدولية قبل الدستور العراقي، حيث كفلت كل القوانين الدولية مبادئ العدالة لانصاف الضحايا الذين تفتك بهم انظمة الاستبداد والقمع، فلماذا تشن هذه الحملة (النيابية البعثية) على الضحايا، فيما يترك الجلادون احراراً طلقاء، يتقاضون مرتباتهم التقاعدية واجور نهاية خدماتهم في قمع الشعب العراقي وقتله وتشريد ابنائه البررة. لم تشن هذه الحملة ضد الضحايا، ويتناسى الساعدي ورهطه ان اكثر من نصف مليون فدائي وعضو في حزب البعث واجهزة القمع الصدامية يتنعمون بامتيازات ومرتبات لا يستحقونها، ولم يتجاهل الساعدي صرف المليارات من الدولارات على اعضاء الكيانات المنحلة للبعث ونظامه، فيما يستنكر ان تنصف ام شهيد، أو يعوض سجين قضى اجمل سني عمره في مطامير الامن وزنازين المخابرات الصدامية، او مناضلاً ومجاهداً اكلت الغربة، ومحتجزات التعسف سني عمره؟ اذا كان القصد من وراء هذه الحملة الشريرة، محو جرائم البعث وسجله الدموي، فهذا عشم ابليس في الجنة ولن يستطع اي شخص ان ينال من جهاد العراقيين ونضالهم ضد الدكتاتورية، ولن يستطيع كائن من يكن ان ينسى انتفاضة اذار المجيدة وابطالها من العراقيين، سواء اكانوا اسلاميين ام يساريين، او من شتى التنوعات العقائدية او الفكرية، ابدًا، فهذه الثورة في وجدان كل عراقي حر وشريف، وان سجل الجرائم محفوظ في كل بيت عراقي قاوم البعث ورفض نهجه، ولن يفلح اي شخص ان يبيض صفحة البعث مهما حاول او ابتكر من اساليب. اخيراً، بودنا ان نذكر هذا الشيخ، اذا كان هدفه محاربة الفساد كما يدعي ونسأله كيف سمح لنفسه ان يحصل على شهادة البكالوريوس في التربية الرياضية وهو على مقعده النيابي، مع العلم انه حاصل على شهادة الاعدادية في التمريض لاغير، أم أن الشيخ الساعدي كان بطل العراق بقفز الزانة، ونحن لا نعرف بذلك؟
*
اضافة التعليق