بغداد- العراق اليوم:
منذُ عودتهِ الى العراق بعد التاسع من نيسان من عام 2003 والى لحظة توليه منصب رئاسة الحكومة السادسة من حكومات ما بعد الاطاحة بنظام صدام حسين، حاول عبد المهدي تكريس نفسه على أنه "عصارة" الفكر العراقي المتحفز، وأنه أخر بقايا رجال الملكية الذاوية بعيدًا، ونخب البيروقراطية العراقية، وسليل الأرستوقراطية المتلاشية بفعل براكين الثورات التي كانت ايدلوجية في الغالب. عادل أحد انجال النائب والوزير العراقي عبد المهدي المنتفجي، بدأ حياتهِ على صدمة انهيار النظام الملكي والطبقة الاقطاعية الملحقة به، حيث كان والده يشكل أحد ابرز وجوهها، فكانت الصدمة كفيلة بأن تجعل الرجل، غارقاً في مسارات التجريب السياسي بدءًا من البعث الى الشيوعية الماوية، وانتهاءً بالإسلام السياسي الذي وجد في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية، أشد الحركات الاسلامية الشيعية راديكاليةً انذاك، طموحاً لغريزة الثأر من عراق جمهوريات الدم والنار، والحروب لاحقًا. بقي الرجل يناور، ويحاول أن يجتاز بوابات السلطة التي أوصدت بوجهه بفيتو ايراني، لقلة الولاء الكافي، وللتأريخ المتأرجح، وقد شارك في هذا الفيتو مقتدى الصدر وتياره الذي ظن في بداية مشواره السياسي أن عبد المهدي يختلف معه مرجعياً، وأن الدعاة سيكون تحت ردائهم، لاسيما وهم الخارجون كما تقول ادبياتهم من تحت رداء الشهيد محمد باقر الصدر، ومحمد صادق الصدر اللذين قادا اعنف حركات احتجاج داخلي بوجه صدام ونظامه الحديدي. في عام 2006 اطاح فيتو مشترك بين ايران والصدر بعادل عبد المهدي، وحرمه الشك المتبادل من الوصول الى سدة السلطة، لكن وبعد ما صنع الحداد بين الصدر والدعاة خلال عقد ونيف، كان الصدر يسترجع افكاره، ويعيد حساباتهِ، فوجد ان عبد المهدي ليس ايدلوجياً صلباً كما تصوره، قدر ما هو مرن في البحث عن موقع يراه يناسب تاريخ، ومنحدر عائلته الطبقي والاجتماعي، فكان ان التقت إرادة الصدر، مع رغبة ايرانية في تجريب شخصية شيعية في السلطة بعد دعم طويل للدعاة في هذا الموقع، ليصل الرجل الى السلطة على حين غرة، ولم يكن أحد يعرف مسببات وصوله، سوى الرغبة في كسر قاعدة احتكار الدعاة للموقع الأول في عراق ما بعد البعث المحظور. وصل عبد المهدي الى موقعه، ومنذ اكثر من 100 يوم في رأس السلطة، لا يزال يمارس تحركه على ذات النسق والوتيرة، ويعمل على ذات النهج، وكأنه أنتخب في موقع محلل سياسات في مركز ابحاث، أو استاذاً في قسم للعلوم السياسية في جامعة الأمر الذي ازعج الكثيرين، الذي بنوا آمالاً عريضة على وصوله، وكانوا يكتبون عنه مطولات من الثناء والمديح، لكن الأيام رغم أن البعض كان يقول أنها حبلى بمفاجأت " المنتفجي" الا أنها لم تلد حتى فأراً لغاية الآن!! يُمضي الرجل الذي يقول عن نفسه أنه يفضل النوم باكراً، ايامه في السلطة بصمت مديد، أناة لا تتناسب مع حجم المشكل العراقي، ولا حجم المطلوب من شخص يعيش في بلاد تنخرها المشاكل، وتأكل من قلبها نار الأرهاب والفساد بلا هوادة، فيما يكتفي بارتداء اردية طويلة، والسير وئيدًا على الطريقة الفرنسية التي يحترفها لخبرته وسكنه الطويل هناك، في حين يرى البعض ان ذا الـ 77 عامًا يعيش اجمل سني عمره الطويل والشاق والحافل بالآماني، بعد أن ابتسم له الدهر مؤخراً، ليمتطي صهوة جواد صعب القياد، فهل سيسقطه من على ظهره قريباً، أم سيكون له ما يريد ويمضي به الى حيث يريد هو، ويريد غيره ممن سلموا بيده زمامه؟ كل ذلك برهن الزمن، وصدق طرفة ابن العبد حيث يقول " ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً"
*
اضافة التعليق