الأعرجي والزاملي والسوادني .. وزراء نزهاء في زمن فاسد !!

بغداد- العراق اليوم:

قبل عدة اعوام كان يتحدث في برنامج تلفزيوني، وكان يكشف في ذلك اللقاء بعض اسرار ما يجري في الخفاء، حيث قال هذا الشخص المهم، انه ابلغ رئيس الوزراء حينها نوري المالكي، انه بعد عدد من الدورات البرلمانية، لن يستطيع أي شريف نزيه وطني الوصول الى مقاليد السلطة، طالما أن شبكات الفساد والمافيات آخذة بالنمو الرهيب، والتعشش في مفاصل الدولة، خاصة وإنها تسيطر على مقاليد القوة الناعمة، عبر الإعلام، وصولاً الى إدارة الاقتصاد، فضلاً عن امتلاكها مفاتيح القرار، مرورًا بالتحكم بالمزاج الشعبي والرأي العام.

إن هذه النبوءة المتقدمة، تتجسد اليوم وسط صمت وذهول المراقبين والعارفين بكواليس وخلفية المشهد السياسي الذي آخذ بالأفول التدريجي، بعد ان باتت العملية دائرة مغلقة على مجاميع من المتولين واصحاب المال والمافيات لاغير، فأنتهت الحكاية الى أن تسمي هذه الشبكات وزراء الدولة، وتختار قادة البلد، وهي آمنة مطمئنة، فتبعد من لا يرضى السير على نهجها أو يحاول ان يتصدى لها تحت أي مسمى وعنوان كان، فهذه الشبكات اصبحت اليوم دولة "عميقة" خفية، تمتلك أدوات التأثير والقيادة والابعاد، والتسقيط ان تطلب الامر.

ولربما يمكن رؤية الصورة بوضوح أكثر في كابينة عبد المهدي التي ولدت "خدجًا" لا يزال في حاضنة المحاصصة والتقاسم والتغانم، ويبدو  أنه مولود كسيح سينتهي ميتًا سريريًا، لكن العقم السياسي ربما سيدفع الجميع الى الاحتفاظ بهذا الميت ورفعه على الرؤوس، كي تمر من تحت جدثه المتهرئ الكثير من الصفقات، وتسوى الكثير من الملفات، فهكذا تريده تلك القوى الحاكمة المتحكمة، التي يبدو انها نجحت حتى الان في استئصال آمال الانعاش، وآمال ان يتدفق دم نقي في هذه الشرايين، مجهزة تحت مختلف التسميات على أي أمل يمكن ان يتمسك أكثرنا تفاؤلاً بأهدابه.

نعم، فمثلاً دعونا نرى شعار عبد المهدي الذي رفعه رغمًا عنه، بعدم استيزار النواب، فقد كانت كما يتضح  الان كلمة حق يراد بها باطل، فالكثير من النواب الشرفاء اجدر من الكثيرين في تبوء مناصب وزارية، لاسيما أن تجربة وزير الداخلية العراقية السيد قاسم الأعرجي واحدة من اكثر النماذج نجاحًا، واكثرها اشراقاً في ادارة ملف الأمن في عراق التضادات الحادة، والتقاطعات الرهيبة، والتدهور الأمني المزمن، فكيف نجح الرجل الذي بدأ الطريق وحيدًا، واختار الدولة على الحزب والجماعة والعصبة والعشيرة، فكيف نجح الأعرجي، وهل ضريبة النجاح ان يضع الأخوة " الاعداء" فيتو على اعادة ترشيحه وزيراً للداخلية، حتى مع اجماع وطني على شخصه، بل واصرار واضح من الكتل الشريفة بضرورة ان يصل هذا الرجل لموقعه مجددًا، للحفاظ على المنجز، فلمَاذا منعت هذه الجهات وصوله الى موقع يستحقه بجدارة، وسيؤدي به دوراً حاسمًا في ظل تراجع أمني بدا واضحاً للعيان بعد ابقاء هذه الوزارة الشاغرة الى الآن، قد لا نعرف بالضبط من يعرقل، لكننا حتماً نعرف المستفيد!

لنترك ملف الداخلية، ونأتي لملف وزارة العدل العراقية، وأمامنا سجل مشرف، وجهود وطنية وانسانية كبيرة بذلها الوزير المجد والنشط الدكتور حيدر الزاملي، الذي ما فتأ يواصل الليل بالنهار من إجل تأمين مؤسسات الاصلاح، وانفاذ القانون، وتطبيق الاحكام وفقاً لمعايير احترام حقوق الانسان، وتحقيق سياسة الردع القانوني التي تحد من الجرائم في البلاد، كما أن الرجل أدى دوراً هائلاً في منع عمليات سرقات عقارات الدولة والمواطنين، وكلنا يعرف كيف ان الرجل حرس بعينيه املاك وعقارات العراقيين المهجرين والمهاجرين، وكيف صارع جهات كبرى ومافيات متمرسة، ووقف اعزلاً في ميدان حرب لا هوادة فيها، ولا يقوى الأخ أو النصير على رفع رأسه، فانتصر الرجل بعد معركة شرسة وشاقة، فهل من الجزاء ورد الاحسان ان يبعد الرجل عن موقعه، وان تبقى وزارة العدل التي تهم كل الشعب العراقي، نحلة تتقاذفها الكتل ذات اليمن وذات الشمال؟!

لنترك هاتين الوزارتين بعيدًا ولنختار تجربة وطنية مميزة فريدة، صنعها الوزير الكفوء الدوؤب والمضحي محمد شياع السوداني في وزارة الصناعة العراقية، التي وجدها حين تسمنها تعاني من ويلات كبيرة، وسطوة حزبية واضحة لم تنجح جهود من سبقوه في الحد منها، كما سجل الرجل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية انجازات على مستوى تاريخ العراق، فالرجل الذي نهض بمسؤوليات جسام ووصل بعدد المشمولين باعانات الدولة الى اربعة ملايين، هذا الوزير الذي قاد ملفات مكافحة الفقر، والحماية الاجتماعية، ووقف ايضاً في معركة شرسة مع مافيات السرقة والنهب التي كانت تكلف الدولة مليارات الدنانير سنوياً حيث كانت تسرقها جهات منظمة تجاوزًا على حقوق الفقراء، فكانت مكافئته الابعاد من التشكيل الوزاري، وكأن الحكومة الجديدة مهمتها استئصال الناجحين، واستبدالهم بشخصيات غير معروفة، بل وهزيلة، لم يسبق لها ان سجلت بصمة ما في تاريخ أي مؤسسة باستثناء ما رحم ربي.

ولم تقف الامور عند ابعاد الدكتور الزاملي فحسب انما نشط الفاسدون واعلامهم الأفسد بشن حملة قاسية تتهمه بما فيهم، مطبقين المثل الشهير ( رمتني بعارها وانسلت)!

ان مشكلة الزاملي وزميليه الاعرجي والسوداني تكمن في كونهم وزراء نزهاء وطنيين جاءوا في زمن فاسد مرتبك، لا مكان فيه للنزيه والوطني الصادق، ولا مناصب لغير المزيف، الا استثناءات اقل من عدد الاصابع!

علق هنا