بغداد- العراق اليوم:
يوسف العراقي
ليس اكبر ولا اهم من منصب رئيس الجمهورية في جميع دول العالم ذات النظام الجمهوري , عنوانا للسيادة والسمو والمرتبة الاعتبارية , سواء كان ذلك في النظم الرئاسية او في النظم البرلمانية . وليس أرعى لتطبيق الدستور ومصالح الشعب من صاحب المنصب الارفع والاعلى في هرم الدولة رئيس الجمهورية , حتى وان كانت صلاحيات منصبه شكلية بروتكولية شرفية لا حول لها ولا طول في تحديد اتجاه دفة الدولة ومسارها التنفيذي او التشريعي , كما في نظام الحكم الذي فصَله لنا الامريكان ( المستعمرون او المحررون ) على اختلاف زاوية الرؤية وصاحبها . وفي بلد مثل العراق كان الى آخر نظام حكم فيه (واعني فيه النظام السابق الذي ازيح في 2003 بالاحتلال الأمريكي), يقاد بطريقة النظام الرئاسي الأبوي المتفرد الراعي الأوحد صاحب الكلمة الأولى والصلاحيات المطلقة بتحديد كل شيء في سياسة البلد وحياة مواطنيه. لذلك بدا جميع من تسنموا منصب رئيس الجمهورية بعد 2003 , وهم على التوالي غازي عجيل الياور وجلال الطالباني وفؤاد معصوم , أصغر بكثير من حلم وأمل الشعب الذي يقودونه , شخوصا وافعالا وتأثيرا وانتماء وصلاحيات !!! وهذا قطعا لا يسئ الى تاريخ ومكانة هؤلاء السادة الاكارم , لكنه محاولة لتوصيف الدور الفعلي الذي قاموا به اثناء تسنمهم المنصب على مدى 12 عاما , مع كبير الاحترام لتاريخ بعضهم النضالي الطويل ومكانة البعض الآخر العلمية والقبلية . صحيح ان الدستور الجديد المقر سنة 2005 نقل اغلب اختصاصات منصب الرئيس الى منصب رئيس الوزراء , وحول الرئيس الى مجرد موظف كسول شبه عاطل وشبه نائم على كرسي الرئاسة المهمل, محاط بعشرات المستشارين الذين لا يستشارون ابدا ومئات رجال الحمايات والسيارات المصفحة والمواكب الطويلة , لكن نقل الصلاحيات هذا لم يكن ليعطل دور الرئيس كرمز ملهم لشعبه جامع لطوائفه وقومياته واثنياته يمسك بيده صمامات أمان الازمات والتصارعات وتقاطعات السلطات الأخرى . لذلك بدا غريبا ومستنكرا جدا عند العراقيين هذه الأيام سماعهم ترشيح الدكتور فؤاد حسين سكرتير الرئيس مسعود البرزاني ورئيس ديوان مكتبه , الى منصب رئيس جمهورية العراق !!! وعلى الرغم من العرف السياسي السائد منذ 2006 حتى الان في ان يكون منصب رئاسة الجمهورية من حصة المكون الكردي مع ان العراق دولة عربية كبرى , وضمن الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية , الا ان جريان العرف بان يكون رئيسه كرديا نابع من فكرة ان العراق في هويته الوطنية لا يفرق بين عربي وكردي و تركماني , وعلى محيطه العربي قبوله ضمن هذه الرؤية والتعايش معها بدون حساسيات قومية . الا ان هذا العرف السياسي المستحدث بعد 2003 لا يمكن ان يعني الإطاحة بهيبة المنصب الأول في الدولة بتركه خيارا مطلقا للاخوة الكرد ليضعوا فيه كائنا من يكون على وفق مزاج سياسي ونفسي محكوم بتاريخ صراع طويل واجندات مرهونة بحالة الشد والجذب بين قيادات المكونين العربي والكردي السياسية ,والذي ما تزال جمراته الملتهبة تلتظي تحت رماده البارد الخداع حتى الان . فقد عدت جميع الكتل المشاركة بالعملية السياسية عدا الحزب الديمقراطي الكردي التابع للسيد مسعود البرزاني ترشيح السيد فؤاد حسين لمنصب رئيس الجمهوري وإصرار السيد مسعود البرزاني على هذا الترشيح وتلويحه بالخروج من العملية السياسية كليا في حال استبعاده وتولية غيره , استخفافا كبيرا بالشعب العراقي وانتهاكا واضحا لمبادئ الديمقراطية التي ينص عليها الدستور بفرضه اسم سكرتيره فؤاد حسين ليصبح رئيسا لجمهورية العراق بالقوة والضغط باسم المكون الكردي لان المنصب حقهم وهم احرار فيمن يضعونه فيه حتى ولو كان كاكا حما بائع لبن أربيل الشهير مقابل وزارة الدفاع !!! ومع الاحترام الكبير لشخص الدكتور فؤاد حسين, والتوضيح بان ما يرد هنا ليس محاولة للاساءة الشخصية له , بل هو اقتراح رؤية موضوعية لعملية اختيار الاسم الانسب لمنصب رئيس جمهورية العراق , استنادا الى وقائع ومعطيات محددة دقيقة تتسق واهميته, وقد شاء قدره ان يكون هو في عين إعصارها بخطيئة من استخدمه لذلك ووضعه في جلباب اكبر من مقاسه بكثير , فكان لا بد ان يتعثر وان تحرق النار يديه ورجليه . حتى لو استبعدنا اللغط الكثير والعلامات السوداء المريبة التي تحيط بسيرة فؤاد حسين , واهمها وضعه الاجتماعي من حيث اقترانه بامرأة هولندية يهودية ذات هوى صهيوني إسرائيلي محض !!! , إضافة الى معتقداته السياسية القومية المتطرفة والمرتكزة الى وجوب انفصال الإقليم الكردي عن العراق وإقامة الدولة الكردية القومية , ودوره في موضوع استفتاء عام 2017 الانفصالي والمتضمن اقتطاع الأراضي المتنازع عليها وضمها الى الدولة الكردية الجديدة ,كمحافظة كركوك وأجزاء كبيرة من سهل نينوى ومدينة خانقين في محافظة ديالى !!! , وهو الاستفتاء غير الدستوري الذي اعترضت عليه بغداد وابطلت نتائجه وارسلت قواتها المركزية لاستعادة جميع المناطق والمدن التي سيطرت عليها البيشمركه بعد خروج الدواعش وضمتها للإقليم بلغة الامر الواقع . وحتى لو سلمنا ببهلوانيات النائب مشعان الجبوري في الدفاع عن ترشيح الدكتور فؤاد حسين للمنصب والترويج له بعد اجتماعه بالرئيس مسعود بارزاني في شقلاوة وحصوله على بعض الوعود الدسمة المدعومة من الكتلة الكردية في البرلمان . حين ظهر في احد البرامج التلفزيونية امس ليقول ان فؤاد حسين غير متزوج من يهودية صهيونية بل ان زوجته هولندية مسيحية !!!! , وانه يتكلم خمس لغات بطلاقة , وانه ليس سكرتيرا للرئيس مسعود بل رئيس ديوانه !!! فاننا نجد انفسنا امام كل هذا الهراء المشعاني المعروف ملزمين على الرد واحدة بواحدة لنقول : اننا نريد رئيس جمهورية يضفي بتاريخه وحزمه ونشاطه وحضوره هيبة على اسم الوطن واشراقا في عيون أبنائه , ولسنا نبحث عن مترجم حاذق , حتى وان كان يفهم لغة الطير ويتحدث بها !!! , كما ان تبريرك السخيف لعمله كسكرتير لرئيس الاقليم باضفاء هذه التسمية الاعتبارية له تضخيما ونفخا وتمويها , لن يغير من حقيقة الامر شيئا , وسيبقى فؤاد حسين في داخله يحمل شعور حامل الملفات اللازمة للبارزاني ومنظم مواعيد عمله ومقابلاته !!! , وهو ما لانراه مناسبا لمن يريد ان يكون رئيس جمهورية العراق العظيم . ولعل من مفارقات الخيال السارح في هذا الصدد , افتراضنا في حال اجتماع رسمي بين فؤاد حسين وهو رئيس جمهورية العراق مع مسعود البارزاني أيا كانت الصفة التي يحملها وقتذاك , ترى بماذا سيخاطبه : هل يقول له وهو يقف امامه مستعدا راجفا كما تعود : سيدي فخامة الرئيس البارزاني ؟؟؟؟ , وكيف سيحاوره او يختلف معه في أي شأن تتقاطع فيه مصلحة الدولة المركزية التي هو رئيسها مع مصلحة الإقليم الذي هو موظف بدرجة سكرتير فيه ؟؟؟؟ بل كيف سيؤدي اليمين الدستورية ليقسم كاذبا امام الشعب العراقي بالمحافظة على وحدته والدفاع عن ارضه وسمائه وهو اشد دعاة انفصال الإقليم عنه بكامل الأراضي المبتلعة تحت عنوان المتنازع عليها !!! ربما كان الأخوة الكرد اذكياء جدا الى درجة تمرير كثير من مواد دستور 2005 برؤية قومية محضة , ما تزال باقي المكونات العراقية تدفع ثمن غفلة كتاب الدستور عن فخاخها التي نصبوها لهم , بينما كانوا منشغلين بكتابة مواد تعنى بالصراعات الطائفية وشكليات جانبية كثيرة لا تغني ولا تنفع . لكننا لن نستمر في مسلسل الغباء هذا لنتركهم يضعون موظفا بدرجة سكرتير رئيسا لنا , اذ ربما سيليه في الدورة القادمة كاكا حمه !!! ولا حول ولا قوة الا بالله
*
اضافة التعليق