بغداد- العراق اليوم: ابراهيم العبادي منذ عام 2004 وحكومات العراق تتشكل بوجود انتخابات عامة او بدونها ، بتوافق اقليمي -دولي وبعد تفاهمات بين الكتل السياسية وبتدخل اممي ، واشارات مباشرة وغير مباشرة من المرجعية الدينية ،خمس حكومات حكمت بعدد من الوزراء لايقل عن خمسة وعشرين وزيرا أو اكثر ، ولم يغب عن المشاركة فيها حزب او جهة او كتلة من كافة المكونات والقوى الاجتماعية ،هذا العام 2018 دخل عامل ضغط جديد على تشكيلة الحكومة ،فالمرجعية الدينية تطالب برئيس وزراء قوي وحازم وشجاع ،وممثل الامين العام للامم المتحدة يان كوبيتش يدعو- في تقريره الدوري الى مجلس الامن- الى مجيئ رئيس وزراء قوي ،فيما يصر جمهور الاحتجاجات على مواصفات جديدة للجهاز الحكومي ياخذ على عاتقه القدرة على الانجاز وحل المشكلات ومعالجة المظالم وتحقيق العدالة والتنمية في حدها المعقول . القوى السياسية التي تتفاوض على تشكيل الحكومة ، وجدت نفسها وجها لوجه امام المطالب الشعبية وسط غضب واستياء من اداء الطبقة السياسية عموما ، لذلك اصبحت خياراتها محدودة ،فهي مضطرة لاخذ مطالب الشعب واحتجاجاته المغطاة بدعم واضح من المرجعية وثقلها المعنوي ،وهي من جهة اخرى تريد الحفاظ على وجودها وحصصها في السلطة والادارات ، وليست مستعدة للتنازل عنها . الاختبار الحقيقي للاحزاب في استجابتها لمطالب و صوت الشعب من عدمه سيظهر في مفاوضات تشكيل الحكومة ،فامام الكتل تعيين المرشح لرئاسة الوزراء ومن ثم الاتفاق على التشكيلة الوزارية والتصويت على الكابينة الحكومية ثم مراقبة عملها عبر البرلمان . فيما سبق كانت المناصب الحكومية تحدد لها ارقام تخصم من مجموع ارقام الكتلة السياسية وبحسب (استحقاقها) السياسي ،فلرئاسة الوزراء وللوزارات السيادية (تسعيرة رقمية) تختلف عن الوزارات غير السيادية ولذلك ساد عرف سياسي بتوزيع المناصب القيادية في الدولة الى مستوى الوكلاء والمستشارين والمدراء العامين والمفتشين ارضاءا لكل الاطراف المشاركة في العملية السياسية واذا شعرت فئة صغيرة او كبيرة بانها مغبونة علا صوتها الاعلامي بالاحتجاج وماجت الارض بالاتصالات والضغوط والاتهامات حتى يتم استرضائها واقناعها ،هذا العرف (التشاركي) او الديمقراطية التوافقية هو محاصصة كرهها الشعب ولم تندم عليها الاحزاب كثيرا اذ يعتبرونها امرا واقعا لايمكن القفز عليه بسهولة مالم تتغير افكار واساليب المشاركة في السلطة، فاذا لم تكن جزء من الوزارة فانت غير موجود ،والوزارة هي صانعة القرارات والخطط ومخزن العقود والمقاولات والتوظيفات والنفوذ ،لذلك كانت مفاوضات تشكيل الكتلة الاكبر وبعدها تشكيل الكابينة الحكومية من اكثر المفاوضات تعقيدا واشدها عسرا، ولاتنتهي عادة الا بصفقات ومساومات واتفاقات تحت الطاولة وتعهدات لتمرير ولادة الحكومة ، لاتلبث ان تنفجر بين الحين والاخر ،المشكلة الكبرى ان الاحزاب حينما تقدم مرشحيها للمناصب الحكومية تختار الاقرب الى زعاماتها السياسية بصرف النظر عن الاهلية والقدرة والكفاءة ،فالوزير الموجود هو ممثل الحزب والكتلة الفلانية ولايهم ان كان اداؤه ضعيفا او غير مقنع ،والنتيجة كانت (خراب البصرة) وتعثر الانجاز الحكومي وتعمق المشكلات . الان وصلنا الى مفترق الطرق ،هل تواصل القوى السياسية المنهج ذاته الذي تعودت عليه؟ ام انها ستغير من طبيعة تعاطيها مع المسؤوليات والوظائف السياسية والعامة ؟ من طبيعة الاشارات والتصريحات نفهم ان التغيير محدود جدا ،لان الرغبة في المناصب والمقاعد عالية رغم نقمة الشارع وبذاءة وشدة النقد الموجه للطبقة السياسية ، واذا وجد انصياع ورغبة لتنفيذ مطالب الشارع الغاضب فان طبيعة التركيبة السياسية ستعيق هذا التغيير ،اذ ان الكرد يفهمون المشاركة في السلطة ان يكون لهم حضور بحسب استحقاقهم في الوزارات وهياكل الدولة العليا ،واذا انقص قليلا سقف مطالباتهم ارتفع صوتهم بالاتهام للقوى الاخرى (الشيعة) بانهم لايتقيدون بالدستور ولا يلتزمون بالشراكة ،والامر ذاته ينطبق على القوى السنية التي مازالت تلاحقها عقدة (التهميش) وتتحدث عن انتزاع الحقوق السياسية للمكون بالحصول على المناصب والوزارات التي تؤهلهم للمشاركة في القرارات والسياسات العامة . الشيعة الذين يتهمهم جمهورهم بالتقصير الكبير يجدون انفسهم بين الاستجابة لمطالب الجمهور والتخلي عن المحاصصة وتقاسم النفوذ وبين ضرورات موازنة حضور الاخرين باستيزار الشخصيات السياسية وليس التكنوقراط ،كون التكنوقراطيين ضعفاء لاحامي لهم الا بالاتكاء على جهة سياسية مساندة ، ويبقى منصب رئاسة الوزراء عرضة للتجاذبات والمساومات ومطامع الكثيرين ،مع انه مسؤولية جسيمة وخطيرة في ظرف عصيب ،اذ يستحيل ان تجد من لايدعي انه القوي الحازم الشجاع ،مع ان التجربة والنجاح النسبي يمكن ان تبرهن على صحة هذا الادعاء من عدمه ،لكن الطامحين يسعوون الى التركيز على مواصفات الشخص دون المنهاج ،والحال ان المواصفات الشخصية لاتكون ذات مغزى بمعزل عن الظروف المحيطة والقدرة على مواجهة المشكلات بحكمة وأرادة ودراية. اغلب الظن ان الاحزاب والكتل ستواصل ذات الطريقة التي اعتمدتها لحياكة غزل التشكيلة الحكومية ،وانها ابعد عن التفكير بتغيير المنهج والخطط والبرامج ،ان مشكلة العراق كانت ولاتزال في ضعف القدرة على ادارة الموارد والسياسات بكفاءة بسبب طريقة اختيار الاشخاص وتوزيع الحصص ،والتجربة السابقة كانت محبطة للجمهور ومرجعيته الدينية وهو ينتظر كابينة حكومية تحقق معجزة ،فهل وعت القوى السياسية دروس الاحتجاج فعلا ،ام انها بحاجة الى( تطوير اساليب الاحتجاج) لتذعن؟.
*
اضافة التعليق