بغداد- العراق اليوم:
هل يكفي أن يبقى الحزب -أي حزب كان -محافظًا على وجوده التنظيمي أو متوفراً على يافطة معلقة على بوابة مبنى مؤجر في بغداد، وبعض المحافظات العراقية، كي ما يقال ان الحزب الفلاني موجود على أرض الواقع، أم أن هناك ضرورة وطنية، وحاجة شعبية لوجود حزب كالحزب الشيوعي العراقي مثلاً، واعتماد تنظيم مثل هذا التنظيم والتشكيل السياسي والاجتماعي في البلاد، وان ثمة رؤية مغايرة للمطروح والسائد، تظل متقدة كنار أزلية لن تخمدها الهجمات، ولن تطفئ شعلتها المتوهجة كل المؤامرات وعمليات الأقصاء والابادة التي مورست طوال سنوات من تاريخ حزب عمده قادته بدمائهم، ونذروا أنفسهم في سبيل عقيدة لا تعلي من شأن شيء أكثر من شأن الأنسان ولا تبحث عن شيء أكثر من سعادة البشر في أي أرض وجدوا، وفي أي زمن كانوا . في ذكراه السنوية أعُيد طرح هذا التساؤل وأبقيه محط نقاش وجدل، وتشكيك ويقين، ونظرية وتطبيق، معيدًا السؤال الأهم بين هذا كله: لماذا نحتاج لحزب شيوعي عراقي، في ظل عالم اسقطت الميديا ووسائل التواصل أعظم المنظومات، والأيدولوجيات، أو على الأقل هكذا يقال في السائد. وأن عصر ما بعد الأيدولوجيات والافكار الكبرى قد بدأ فعلاً؟. هذا السؤال ليس مجرد خاطرة تمر على ذهن كاتب، وليست ترفًا فكريًا، يمكن ان يناقشه نخبة من الكتاب والادباء ويمضون الى سبيلهم. قدر ما هو سؤال وجودي عن المعنى والكينونة والهوية، سؤال يعاد عبره التقييم، وتثار فيه القراءات المتوالدة في أروقة أعرق حزب عراقي، كان ولا يزال وسيظل على ما يبدو يربط قدره ووجوده بمدى قدرة منتظميه ومعتنقي فكره على اثارة الأسئلة، واثارة النقاش الواسع للوصول الى قناعات وترسيخ مبادئ واحلال أخرى بدل أخرى, تنسجم مع التطور الاجتماعي والسياسي والسياقات التاريخية الحاكمة . ولعلني بدأت اجيب عن سؤالي الأول: هل هناك ضرورة لوجود حزب شيوعي عراقي في راهننا؟ وهل من ضرورة مستقبلية تقتضي أن يبقى هذا الحزب مواصلًا مسيرته الحافلة؟. أم أننا ازاء مرحلة انتفاء لحاجة مثل هذا الوجود والكيان السياسي. الاجابة لن تكون عاطفية، ولن يدفعني وجود اجواء حماسية مع قرب الانتخابات الوطنية مثلاً للقول، أننا ازاء تاريخ ونضال ومسيرة كفاح عظيمة، كل هذا معلوم ومحفوظ ومحط تقدير وعناية جميع أبناء العراق، بمختلف فئاتهم الاجتماعية وتنوعاتهم الأثنية، فمن ينكر دور هذه المدرسة التي خرجت المناضلين، ودربت قادة الفكر، وصقلت راية الإبداع لترف عالياً في سماء العالم بأسره، وقبل ذلك كانت جبهة للفكر التقدمي الحر ومنارةً اجتماعية تنادي بحقوق المرأة وتحريرها، وتحرير الأنسان من جور الانظمة السياسية المتخلفة وكذلك القوى الرجعية. لكن الاجابة، التي أريدها من هذا الواقع، هل يحتاج واقعنا لحزب شيوعي عراقي؟، وجوابي هنا مؤسس على حاجة الواقع، فلكل واقع ضرورة واستجابة، وهذه الاستجابة تؤسس على مبدأ تلبية الحاجة، واعتقد أن ما يعيشه العراق اليوم، العراق الخارج من أتون ديكتاتورية قبلية متخلفة وعميلة لقوى الاستعمار، والداخل للأسف في أتون حروب رجعية بعضها، وبعضها جزء من مؤامرات دولية على البلاد، تفترض هذه الحاجة وجود تشكيل وطني متجاوز للتسميات الضيقة، وعابر فعلاً وقولاً للفضاءات الجانبية، ممتدًا على فضاء الوطن من جنوبه الى شماله، وهل في تاريخ العراق حزب بهذه المواصفات غير الحزب الشيوعي، استطاع ان يجمع المسيحي والصابئي والمسلم والايزيدي والتركماني والكردي والعربي وكل تنوعات شعبنا في بوتقة واحدة، صائغًا لنا قلادة وطنية، وكوادراً لا تعلي من شأن شيء سوى قدر الوطن، وقدر المواطن. هل يمكن أن يسمي الأعداء والمحبون غير الحزب الشيوعي مدرسة سياسية وطنية، تجاوزت كل حجب الطوائف والقوميات، واغلقت منافذ التخلف بوجه من يريد شق وحدة الصف، واتجهت الى الهدف الاساس، ولخصت مشكلة البلاد الاساس، فبدلاً من ان يستغل عملاء الاستعمار ومنفذي الاجندة الدولية للمشاعر البسيطة، ويوهموا الناس أن صراعهم مع بعض هو صراع من أجل السماء، وأن تقاطع ابناء الوطن بعضهم مع بعض هدف سام، يأتي الحزب الشيوعي ليقول لكل فئات الشعب العراقي، أنكم ضحايا في درجة أساس، وأن الصراع في الحقيقة، هو صراع طبقات مُستغلة، لطبقات فقيرة ومُستغلة، تنتهبها اسنان رحى الرأسمالية المتوحشة، وتسلب الفقراء ارغفتهم دون وازع من ضمير! مثل هذا الحزب الذي قالها قبل اربعة وثمانين عاماً، وأستمر يقول أن: ثروات الشعب العراقي التي حولتها القوى المتسلطة والعميلة والدكتاتورية الى أداة قمع وتجبر وقتل وتشريد، يمكن أن تكون جامعاً لكل ابناء الوطن، وأن قاعدة التساوي هي المبدأ الذي يجب ان يسود. لتكون هذه المقولة بلسماً لجراح دامية، والى يومنا هذا ان اردت ان تسأل أي عراقي من فئات شعبنا، عما يوجعه ويجلد اضلاعه، سيجيبك أنه يشكو من غياب العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الثروات بين العراقيين، وحين تسأله عن حلمه: سيجيب وطن حر، يتساوى فيه الجميع وينعمون بخيراته بهناء وأخوة؟ فهل يمكن بعد ذلك أن نقول ان الضرورات والحتميات والميديا اسقطت الافكار والأيدولوجيات؟، هل وجع الانسان من الظلم الاجتماعي وغياب مقاييس العدالة، ايدلوجيا يسقطها التطور التكنولوجي أم ان هذا التقدم بات هو الأخر سوطاً يجلد الفقراء في آلة الرأسمالية التي غزت البلاد من أوسع ابوابها، وشرعت تحاصر الطبقات العاملة والفقيرة وتسلبها ابسط حقوقها في التعليم والصحة وتأمين الرغيف! ان الحزب الشيوعي العراقي هو استجابة الواقع العراقي الدائمة، وهو حلم طبقات واسعة في تأمين قوتها، وتوفير حياة تليق بكرامة الإنسان، وهو جزء من حراك شعبي أصيل، لكن يتوقف مهما ضغطت الأزمات، ومهما حرفت بوصلة الصراع عن الاتجاه الصحيح. نعم الضرورات الوطنية لهذا الحزب قائمة، ما دامت ذات المشاكل التي تأسس من اجل محاربتها هذا الحزب، وما دامت اهدافه الكبيرة لا تزال في مراحلها التاريخية، ولكن المتغير الوحيد في هذه المعادلة، أن الحزب يقفز قفزات نوعية بشهادة الجميع في الواقع العراقي الجديد. وما لمسه ابناء شعبنا من مسيرة نظيفة للحزب في التجربة الديمقراطية، وقدرة كوادره المشهود لها في القيادة، سيكون معززًا لنهج الذي يسير به نحو تفكيك الكانتونات الطائفية، وعزل القوى الرجعية والعميلة التي تعيق وصول شعبنا الى حلمه المنشود. وهذه الخطوات التي باتت تتسارع تبشر بإيام عراقية يتجاوز الوطن محنته، ويتجاوز شعبنا هذه الكبوات والجراحات. الأهم أيضًا، أن نضال الحزب الشيوعي ليس بمعزل عن حراك الشعب العراقي التائق للتحرر وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد، بل هي خطى مشتركة، شهدها القاصي والداني، مما يؤكد على مقولتنا الدائمة، أن الحزب الشيوعي العراقي يمد جذوره عميقاً في تربة الوطن، ولكنه يزداد شموخًا وسموًا عامًا بعد أخر لأنه من العراقيين ولهم، وأملهم في التغيير والخلاص من هذا المستنقع الخطير.
*
اضافة التعليق