بغداد- العراق اليوم:
بهدوء ومن غير صخب، انسل العامري ومنظمته من دولة القانون بعد زواج طويل، وصفه العامري ذاته أنه " كاثوليكي"، لكن هذا الحال السياسة، لا أبدية فيها، وزيجاتها محكومة بالظروف والمتغيرات. والثبات فيها موت حقيقي لمن يحترفها، لذا فأن من يقترب منها سيجد أنها عالم المفاجأت، هي تعشق التغيرات، وتبحث عن جمع المتناقضات. والعامري الذي يترأس منظمة بدر منذ عام 2002، الى اليوم، عرف عنه، قدرة جيدة على التكيف مع المتغيرات، وواقعية شديدة تتعامل مع المعطيات بعيدًا عن أي تصلب أيدلوجي أو عقائدي كما يظن البعض، أو يتصور عنه عن بعد. ابدًا، فالرجل خلف زميله في الجهاد ابو مهدي المهندس، بعد أن رفض الاخير الاشتراك في مؤتمرات المعارضة العراقية التي كانت برعاية امريكية انذاك. لذا فإن العامري تكيف مع الوضع في ما بعد 2003 رغم عدم قناعاته الأيدلوجية في بعض الأحيان لاسيما عند ما انقسمت المواقف حول الوجود الامريكي، فسمح بذكاء وحنكة لبدر ان تؤدي وظيفتين، واحدة في العملية السياسية، وأخرى بعمل جهادي متصل يهدف لاخراج العراق من نفق الاحتلال، وما يتبع ذلك من تداعيات، أو ما سيتركه من مخلفات بعده. لسنا في وارد عرض سيرة هادي العامري، ولكننا نشير الى أن الرجل، لا يعرف المستحيل في عمله السياسي، وحين كان البعض يرى أن المنظمة توأم سيامي مع المجلس الاعلى، وأن انفصالها سيعني موتها، اتخذ القرار بالانفصال، وفعلًا كما توقع، عاد هذا القرار بقيمة مضافة سياسيًا على المنظمة التي اصبحت رقمًا في دولة القانون، وقوة وازنة تتحكم في مفاصل مهمة من الدولة، في الوقت الذي مُني فيه المجلس الاعلى بنكسات وخسائر وانشقاقات متتابعة، وفشل ذريع في توحيد خطابه. الآن، وبعد أنتهاء المعركة الفاصلة بين العراق من جهة وداعش من وحلفائها من جهة أخرى، نجد ان المنظمة حددت موقفها بعد ان ادت دورًا لا ينكر في المعركة، مع فصائل تشابهها الرؤية، وتتفق معها في التفاصيل. اليوم يجد العامري أن الآوان قد حان لمغادرة عش دولة القانون، خصوصًا وان الحديث يكثر ويعلو عن انفصام عرى وثيقة فيه، بين غريمين، وقطبين كبيرين هما السيد المالكي وما يمثل من ثقل، والعبادي وما يحوز من نفوذ دولي هائل وحضور عراقي ممتاز. يبدو أن مغادرة العامري لهذا الصراع بين أجنحة الدعوة، له ما يبرره في الواقع، خصوصًا وان الحشد الشعبي بنى لنفسه سمعةً طبيةً في الأوساط الشعبية العراقية، بمختلف توجهاتها، وتنوعها، واستطاع رسم انتصاراته نظيفة، غير ملوثة بأي لوثة طائفية أو قومية أو أثنية، بمعنى ان مكاسب هذا ستكون عظيمة في الاختبار المزمع اجراؤه في العام 2018. ان واقعية هادي العامري وبراغماتيته، قد تنتهي به الى تصدر المشهد العراقي، وهو الذي نجح في ضبط ايقاع فصائل الحشد الشعبي، ومنع أي تصادم بينها وبين القوات الحليفة، وارسل رسائل مطمئنة الى كل المتخوفين في الشارع السني، وليضيف الى كل هذا موقفًا عراقيًا غير متوقع، حين انتقد صفقة جرود عرسال اللبنانية – السورية، وبين أنه رجل لا يهادن ولا يجامل أن مست مصالح العراق، أو أمنه أو استقراره. أن أداء فصائل المقاومة المنضبط، قد يكون بوابة لتولي المسؤولية الأعلى في البلاد، وقد يكون هذا الأداء، هو الكابح الأول لأي اعتراضات او تخوفات، خصوصًا وان امريكا وحلفائها يبحثون عن حلول وسطى في العراق، ويتجنبون اثارة نقاط توتر فيه. فيما يحرص محور الممانعة ايضًا على تجنيب العراق أي استقطاب يضر به وبموقعه الستراتيجي، هذه العوامل وغيرها الكثير قد تمهد الطريق امام العامري للظفر برئاسة الحكومة العراقية المقبلة، وهو يستحقها.
*
اضافة التعليق