بغداد- العراق اليوم:
يلاحظ مراقبون تغيراً في لهجة الخطاب الرسمي العراقي وتصاعداً في لغة تخاطبه مع حكومة البرزاني، ومثال على ذلك، تغيير الحديث من عبارة "السيطرة على مطارات ومنافذ إقليم كردستان"، إلى "بسط السلطات الاتحادية على كامل الحدود العراقية".
وهذا التغيير في العبارتين مهم للغاية، فهو يعني الكثير على تضاريس الواقع.
ويقول المراقبون، إن "الخطاب الرسمي العراقي سجل هذه الانتقالة مع تزايد قناعة الحكومة الاتحادية بتفوقها الاستراتيجي خلال الاحتكاكات الأخيرة مع قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان".
وحتى أسبوع مضى، كانت اللهجة السائدة في بغداد تدور حول ضرورة بسط السلطة الاتحادية سيطرتها على مطاري أربيل والسليمانية، فضلا عن منافذ الإقليم الحدودية مع كل من إيران وتركيا ليس اكثر .
ولكن الأيام القليلة الماضية شهدت تحولاً واضحاً في لهجة البيانات الرسمية الصادرة عن السلطات الاتحادية في بغداد.
وتمثل تصريحات رئيس الوزراء حيدر العبادي، لصحيفة الاندبندت البريطانية، خلال مقابلة نشرت اليوم الثلاثاء، دليلاً واضحا على هذا التحول، إذ قال إن "كل الحدود العراقية داخل وخارج البلاد يجب أن تبقى دون استثناء تحت سيطرة الحكومة العراقية".
وفي مؤشر آخر على هذا التحول، قالت خلية الإعلام الحربي، في بيان اليوم الثلاثاء، إن "الفريق الفني العسكري برئاسة رئيس أركان الجيش العراقي وصل في زيارة إلى معبري فيشخابور وإبراهيم الخليل للإطلاع ميدانيا وتحديد المتطلبات العسكرية والأمنية لإكمال تنفيد قرارات الحكومة الاتحادية في مسك الحدود الدولية".
وجاء في البيان، أن "رئيس أركان الجيش العراقي وصل إلى معبري إبراهيم الخليل وفيشخابور في زيارة ميدانية للإطلاع على مجريات الأعمال العسكرية والأمنية لإكمال تنفيذ قرارات الحكومة الاتحادية في مسك الحدود الدولية وإدارة المنافذ اتحادياً والانتشار الكامل للقوات الاتحادية في جميع المناطق التي امتد إليها الإقليم بعد العام 2003".
ويقول مراقبون، إن بغداد "تسعى لاستثمار لحظة الضعف التي يمر بها إقليم كردستان، لانتزاع كل ما يمكن انتزاعه منه".
ووفقا لمصادر مطلعة تحدثت لـ NRT عربية، فإن "ثلاثة دوافع، تقف وراء تغيير خطاب بغداد الرسمي من إخضاع مطارات ومنافذ الإقليم للسلطة الاتحادية الى مسك الحدود الدولية كليا"
وفي مقدمة هذه الدوافع، هو توصل بغداد وأنقرة إلى اتفاق، لم يعلن عنه، يقضي بـ "تحجيم الحركة عبر الحدود المشتركة بين هذه البلدان، لا سيما فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني"، وتقول المصادر، إن "الاتفاق الحدودي بين الدول الثلاثة، ترجم رغبة تركية قوية، بالتضييق على الحزب المعارض، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية".
وبموجب ترتيبات خاصة بين أنقرة وأربيل، تعرض حزب العمال الكردستاني إلى ضغوط كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية، حدت من قدراته على الحركة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني.
وتقول المصادر، إن "الاتفاق الثلاثي بشأن ترتيبات الحدود بين العراق وتركيا وإيران، ربما يعوض أنقرة عن أي ضرر متوقع في العلاقة مع أربيل".
وعارضت تركيا بشدة قرار بارزاني إجراء استفتاء على الاستقلال، ودعمت إجراءات الحكومة العراقية، التي وصفت بـ "العقابية" بحق إقليم كردستان.
وتشير المصادر، إلى أن الدافع الثاني الذي يقف وراء تحول لهجة بغداد نحو مسك الحدود الدولية، بدلاً من اخضاع المنافذ والمطارات، يتعلق برغبة أميركية في وقف أنشطة التهريب من سوريا إلى العراق، وصولا إلى تركيا، لا سيما ما يتعلق بالنفط.
وتقول المصادر، إن الولايات المتحدة وثقت عمليات تهريب واسعة للنفط السوري نحو الأراضي العراقية، قام بها وسطاء مع تنظيم داعش، إبان سيطرته على مناطق واسعة في سوريا. وتضيف، أن هذا النفط، كان يباع إلى تركيا على أنه نفط عراقي.
وتتبع قوات حرس حدود إقليم كردستان الى بغداد ماليا، لكنها لا تخضع لها عسكريا.
ووفقا للمصادر، فإن بغداد ستقوم بارسال قوات حرس حدود اتحادية، إلى جميع المناطق الحدودية بين العراق وكل من سوريا وتركيا وإيران، لتتكفل بالتصدي لأنشطة التهريب عبرها.
وكانت مصادر أمنية، قالت إن القوات الأميركية تخطط لـ "وجود طويل الأمد" قرب معبر فيشخابور الذي يربط أراض سورية تسكنها أغلبية كردية بالعراق.
أما الدافع الثالث، كما تقول المصادر، فيتعلق بالتضييق على إقليم كردستان، عبر تحجيم دور قوات البيشمركة، بهدف وأد أي محاولة للاستقلال في المستقبل. وفي حال أنجزت بغداد خطتها التي تتحدث عن مسك الحدود الدولية، ستكون قوات البيشمركة الكردية في وضع "يشبه الحصار"، على حد تعبير مراقبين.
وتقول المصادر، إن "معظم هذه الترتيبات تجري بتنسيق بين بغداد وأنقرة وطهران"، فيما "تراقب الولايات المتحدة هذه التطورات، من دون أن تبدي إشارة رفض إزاءها".
*
اضافة التعليق