بغداد- العراق اليوم:
هل بدأت السعودية سياسة (تصفير الأزمات) مع العراق على الأقل، وهي التي لا تزال تخوض حربين الأولى عسكرية استنزافية طويلة في اليمن، والأخرى سياسية مرهقة مع قطر التي يبدو أن الرهان على استسلامها بسهولة، لم يك موفقًا، وها هي تنجح في عبور عنق الزجاجة الذي وضعت فيه، وتعيد التقاط الانفاس، وأن كان بصعوبة، الا أنها لا تزال تتنفس على أية حال. في الملف العراقي، هناك تحول دراماتيكي منذ وصول الملك سلمان ونجله محمد الى السلطة، رغبة في تغيير قواعد اللعبة مع العراق. أو محاولة تحييده على الأقل، ومن ثم معرفة بوصلة ما يمكن ان يتبع من سياسة في المستقبل. هذا الأمر انعكس تحسناً ملحوظًا في مستوى العلاقات العراقية – السعودية، والرغبة السعودية الواضحة للانفتاح على بغداد، واعادة الدفء لعلاقات باردة منذ 27 عامًا، وازالة كره خزين ظل يعتمر في الصدور، تحول في أحيان كثيرة الى تحريض سعودي يدفع باتجاه احراق العراق واغراقه بالدماء كما في سنوات الاحتراب الطائفي التي كادت أن تأكل البلاد برمتها. لكن مع وصول " السديرية " للحكم من جديد، وعلى الرغم من التبرم الشديد الذي ساد منذ وصول سلمان للسلطة، كونه يمثل الجناح الاكثر تشددًا في العائلة المالكة، الا ان هذا التبرم لم يك في محله على الأقل من خلال ما نشهده الان من أقتراب سعودي يكاد يكون حميميًا تجاه العراق، ومحاولة تجسير الهوة العميقة بين البلدين، وقد تبلور هذا من خلال زيارتين ناجحتين لرئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي، والاستقبال والحفاوة التي حظي بهما من أرفع دوائر القرار في المملكة. وما احياء المجلس التنسيقي بين العراق والسعودية، الا دليل أخر على صحة ما نقول، فهل وراء الأكمة ما ورائها، أم أن تغييرًا جذريًا طال شكل العلاقات بين البلدين، وأن المملكة اقتنعت اخيرًا ان اللعب على الديموغرافيا لم يعد ممكنًا، وأن عليها ان تركن الى الواقعية السياسية، أكثر من السير خلف احلام التشدد التي تريد ارجاع العجلة الى الخلف، ومخالفة نواميس الطبيعة، ومقدرات أكبر من قدرة السعودية كلها ؟. أم أن الامر لا يعد كونه شهر عسل، سينتهي ما أن تنتهي معه مشاكل السعودية، وتصفر الازمات مع الجيران الذين تورطت معهم بحروب مدمرة، ثم تعود " حليمة لعادتها القديمة" كما يقال. ورغم ان المخاوف مشروعة، نظرًا لحجم عدم الثقة المزروع بين الطرفين الا ان المضي السعودي في الدفع نحو تطبيع العلاقات مع العراق يبعث على الأمل، والرغبة أن يكون هذا نابعًا من فهم سعودي لما يجري، وتفاعل ايجابي كما يتمناه العراق. في هذا الاطار الانفتاحي المستمر، كشف نائب مقرب من رئيس الوزراء حيدر العبادي،عن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بغداد، وذلك بعد أيام من زيارة رسمية أجراها العبادي إلى الرياض هي الثانية خلال توليه رئاسة الحكومة. وقال النائب جاسم محمد جعفر، إن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيقوم بزيارة رسمية إلى العاصمة بغداد خلال الفترة المقبلة في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين العراق والسعودية”. وأضاف جعفر، أن “موعد زيارة بن سلمان لم يحدد بعد، لكنها ستكون قريبة”. ويشغل بن سلمان بالإضافة إلى ولاية العهد مناصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وكثرت التكهنات والتسريبات مؤخرا بقرب توليه العرش. ويبدو أن ملفات بن سلمان في بغداد ستكون حافلة، لا سيما وان بغداد تعرف ان الرجل هو الملك غير المتوج، ولذا فأنها تولي الزيارة اهمية قصوى ان حدثت، وستحاول جاهدًة ان تطمئن ضيفها على أنها ماضية في الشراكة الستراتيجية شريطة ان تكون النوايا صادقة.
*
اضافة التعليق