بغداد- العراق اليوم:
في روايته القصيرة والممتعة ( ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) يروي غابريل غارسيا ماركيز، قصة ضابط متقاعد يعيش على أوهامه التي ورثها من سنوات خدمته محارباً في الجيش، ولم يستطع بعد ذلك ان يتخلص من ذلك الوهم الذي رافقه للنهاية. في هذه الرواية ، يُجّسد ماركيز شخصيته الرئيسية بالكولونيل الفقير والذي عاش برفقة زوجته المريضة بالربو في كوخٍ صغير ، هذا الكولونيل الذي كرِه شهر أكتوبر ، و صنّفه من ضمن الشهور الرتيبة على قلبه ، هو ذاته الذي عاش الحياة الصعبة المليئة بالألم والجوع برفقة ديكٍ وَرثه من ابنه الميت أوجستن ، و عجوزٌ لا تملك حولاً ولا قوّة لتساعده على ظروف الحياة الصعبة التي يمرّان بها رغم ما تبذله من جُهد . كان هذا الكولونيل محارباً قديماً بالجيش ، وحين شاخ وقام بتركه ، ظلَّ مُلازماً لمكتب البريد يسأل كلّ يومٍ عن وصول مظروف معاشه التقاعدي ، ومع تكرار هذا السيناريو لأكثر من خمسة عشر عاماً ، لم ينل الكولونيل معاشه، و الذي كان من المفروض صرفه في أوانه لرجلٍ يُعاني المرَّ ، ولا غيره في حياته الكئيبة . و كان للديك محور آخر في الرواية ، حيث كان يعول عليه الكولونيل كثيراً بأن ينتصر في بطولة مصارعة الديوك الخاصة بقريته ليتمّكن من بيعه بثمنٍ يكفي لأن يصرف على نفسه و زوجته لثلاث سنين قادمة بدلاً من انتظار معاشه من حكومته ، هذا الديك الذي تغذّى من مُؤن العائلة و احتياجاتها في سبيل بقائه حياً ، و كلّف هذا الأمر الكولونيل و زوجته ألام الجوع طِوال عدّة ليالي في سبيل بقاء هذا الديك حياً ! ويبدو ان مسعود الآن يقف مثل ذلك الكولونيل المتقاعد، وهو لا يملك سوى ديك " الاستفتاء " الخاسر، والذي انتهت به الأمور الى ان يعزل حتى صاحبه، الذي ورثه من أبيه مصطفى البرزاني، ولم يعد يستطيع الخلاص من عقدة الدولة الكامنة في اعماقه. مسعود الآن لا يريد أكثر من الوقوف على تل او جبل من جبال شمال العراق لينتظر وصول طرده البريدي الذي لن يصل بكل تأكيد، ولن يتمكن من مسكه باليد، لأنه مجرد وهم، ولكن هل تعرفون كم كلف هذا الوهم الشعب الكردي .
ضريبة الاستفتاء الباهظة !!
صحفيون عراقيون تابعوا ما حدث وكم أدت مغامرة مسعود الى دخول الاقليم الذي كان مزدهرًا الى الامس القريب، في متاهة الحروب، أو الاجتياح التركي – الايراني الذي بات على الابواب لولا حكمة بغداد، وسعيها الدؤوب لتطويق حرائق مسعود التي اشعلها. واحصى الصحافيون خسائر الاقليم التي تعدت المليارات من الدولارات في ظرف اسابيع فقط، فقد قال الصحفي زياد العجيلي في تدوينة تابعها ( العراق اليوم)، أن " خطوط التماس بين اقليم كردستان وبغداد باتت تتسع والحكومة الاتحادية تعمل على بسط سيطرتها على المناطق الستراتيجية النفطية والمنافذ الحدودية بين كردستان وتركيا والمنافذ التي تربط الاقليم بسوريا كذلك. واضاف " كل يوم يمر وكل ساعة تمضي يتكبد الاقليم خسائر كبرى، حيث لم يتبق لكردستان سوى حقل خورماله النفطي الواقع بين محافظتي كركوك واربيل، الذي تتحشد حوله الان عشرات المدرعات والاليات العسكرية والجنود المجهزين بالاسلحة المتطورة لمحاولة استعادته دون قتال. واشار الى ان قوات عراقية اخرى تتحشد قرب نهر الخابور في المثلث الحدودي الذي يربط العراق بتركيا وسوريا، لرسم حدود جديدة تسيطر بغداد من خلالها على تجارة البضائع بينها وبين أنقرة دون المرور باربيل او حتى بالحدود الادارية لاقليم كردستان، حيث يقدر حجم التبادل التجاري الذي كان يمر نصفه بكردستان العراق بنحو 12 مليار دولار سنويا. وختم بالقول " النخبة الحاكمة في اقليم كردستان تدرك تماما الحجم الحقيقي للخسائر التي يتعرض لها الاقليم – المادية والمعنوية- وهو ما قد يدفع الاحزاب هناك بالتخطيط لانقلاب سياسي تُرتب فيه الاوراق مجدداً بين بغداد واربيل لتفادي الخسائر وحصرها بما ضاع من الاقليم خلال الايام القليلة الماضية.
*
اضافة التعليق