بغداد- العراق اليوم:
أكد محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، أن البنك وصندوق النقد الدوليين أشادا بالاجراءات الاصلاحية في السياستين النقدية والمالية التي اجرتها الحكومة والمركزي على حد سواء، مبيناً أن اكثر من 250 شركة من مختلف الجنسيات تنافست لشراء سندات الخزينة الدولية التي اطلقها العراق مؤخراً.
وقال العلاق في حوار صحفي إن «قانون الموازنة العامة للعام الجاري تضمن اصدار سندات دولية بقيمة ملياري دولار أميركي كجزء من تغطية العجز في موازنة سنة 2017»، مبيناً أن «المليار الاول صدر بضمانة من الحكومة الاميركية مما ساعد على تخفيض مبلغ الفائدة الى حدود 2 بالمئة والعراق كان بحاجة الى هذا النوع من الضمان ليتسنى لسندات الوجبة الثانية التي تبلغ قيمتها مليارا أيضاً أن تصدر بفائدة اعلى من الاولى، عند ذلك وعندما تجمع الفائدتان تكون الفائدة مقبولة ولا تشكل ثقلا على الخزينة العامة للدولة».
وأضاف العلاق «فوجئنا بحجم الإقبال والاستعداد لشراء سندات الخزينة للمليار دولار الثاني عندما طرحت في السوق العالمية المالية إذ تقدمت اكثر من 250 شركة عالمية مالية من اميركا واوروبا واسيا بطلبات وصلت الى 6,5 مليارات دولار واستقرت الفائدة على 6,75 بالمئة في حين كان من المتوقع ان تكون الفائدة اكثر من 8 بالمئة»، مشيراً إلى أنه «عند جمع الستة بالمئة وهي نسبة الفائدة الثانية مع 2 بالمئة نسبة الفائدة الاولى وتقسيمها على 2 بالنسبة للمليارين تصبح نسبة الفائدة الكلية 4 بالمئة وهو امر مقبول، وللمقارنة فان السندات التي طرحت في سنة 2014 كانت نسبة الفائدة التي تقدمت بها هذه الشركات تزيد على 11 بالمئة مما دعانا الى الاحجام عن اصدار السندات في وقتها لان سعر الفائدة كان عالياً».
وبشأن تأثير إقبال الشركات العالمية ورغبتها في شراء سندات الخزينة على الوضع المالي والاقتصادي العراقي، ذكر محافظ البنك المركزي أنه «أعطى مؤشراً على تعافي الاقتصاد العراقي وثقة هذه الشركات به فقد طرحت خلال الاجتماعات الترويجية للسندات مع الشركات الـ 250 أسئلة كثيرة تتعلق بالاوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في البلد على اللجنة العراقية التي يرأسها محافظ البنك المركزي بعضوية وزارة المالية ومكتب رئيس الوزراء، وقدمت اللجنة أجوبتها لهذه الشركات معززة ببيانات كانت ذات موثوقية عالية معززة بتقارير صندوق النقد الدولي الذي يعرف الاوضاع المالية العامة للبلد بكل تفاصيلها ويراقب مدى التزام الحدود والسقوف التي وضعها للعراق»، لافتاً إلى أن «طبيعة مصادر هذه التقارير اعطت مصداقية وانطباعا جيدا لدى جميع الشركات وكان هناك تركيز على السياسة النقدية لانها امور تخص المستثمر من ناحية سعر صرف الدولار والاحتياطي النقدي وحجم الديون وغيرها كما أن ما ساعد على انجاح هذه الحوارات صدور قرار من مجلس ادارة صندوق النقد الدولي بالمصادقة على تقرير فريق الصندوق الذي كان يتضمن نتائج المراجعة الثانية لاتفاقية الاستعداد الائتماني مع العراق التي اعطى فيها مؤشرات ايجابية عن التزام العراق ببنود الاتفاق والالتزام بالمؤشرات المالية والنقدية واصدر شكره للبنك المركزي ووزارة المالية ومكتب رئيس الوزراء».
وتابع العلاق «استطيع القول بكل فخر ان البنك المركزي كان قد استوفى تماما متطلبات الصندوق وكان منسجما تماما مع المؤشرات التي وضعها الصندوق من ناحية الاحتياطيات وسعر الصرف وتدقيق حسابات البنك المركزي دوليا والتطور الكبير باجراءات البنك في الرقابة المصرفية ومكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب وغيرها من النقاط التي كانت موضع اهتمام الصندوق».
وعن رده على بعض التقارير التي أشارت إلى أن العراق مهدد بالإفلاس لارتفاع حجم ديونه مقارنة بناتجه المحلي، أوضح العلاق أن «حجم الدين في المعيار الدولي يتعلق بنسبته قياساً الى الناتج المحلي الاجمالي وهذه النسبة بحسب قدرات الدول قد تصل الى 100 بالمئة في بعض الدول المتقدمة، أما في العراق ووفق المعيار الدولي فإن النسبة لحد الان في حدود 60 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي»، مضيفاً أنه «عند تحليل ديون العراق نجد أن 45 مليار دولار منها تعود إلى ما قبل عام 2003 وأكثرها لدول الخليج لا سيما السعودية وهذه الدول اعطت اشارات في عدة مناسبات بانها لم تطالب العراق بسدادها الى الان في حين أن قسما من هذه الدول نوهت بموافقتها على تسويتها ولذلك عند الحديث عن الدين العام يجب ان نضع ما يقارب 45 مليارا بمعزل لان هذه الديون في اسوأ الاحوال ستتم تسويتها في نادي باريس ويتم بموجبه دفع 10 بالمئة من المبالغ او ربما اطفاؤها».
واستطرد العلاق أن «التحليل المتشائم لم يميز بين الديون التي تسمى (البغيضة) العائدة إلى ما قبل عام 2003 التي يجب ان تكون خاضعة الى تسويات معينة لم تجر لغاية الان وعند استثناء هذه الديون سنرى اننا لا نزال في حدود المقبول بحسب المعايير الدولية عن حجم الدين العام».
ولفت العلاق إلى أن «البنك المركزي له ديون على الدولة بحدود 16 ترليون دينار والجزء الاكبر من الديون محلية وهي تحت السيطرة ولا تستهلك موازنة العراق او تؤدي به الى الافلاس»، مبيناً «تحسب قدرة البلد على تحمل الدين عن طريق القسط السنوي المطلوب منه وليس الحجم الكلي بشكل اساس فقد يكون الحجم قليلا ولكنه مطلوب بمدة قصيرة وقد يكون الحجم كبيرا ولكنه لفترات طويلة وبالنسبة لنا فوائد الدين الخارجي بحدود مليار دولار سنويا وهذا امر مقدور عليه واقساط الدين المحلي باكمله سنويا بحدود 5 ترليونات دينار وتسديد اقساط القروض الخارجية 400 مليون دولار سنويا ترتفع في السنوات المقبلة».
وتابع العلاق أن «المطلوب من العراق سنويا كفوائد للقروض بحدود 5,5 مليارات دولار سنويا وهذا الرقم لا يؤدي بالبلد للافلاس فهناك دول تعجز عن تسديد التزاماتها وعند ذلك توضع حلول لمعالجة هذا العجز ولكن نحن مدعوون الى اخذ احتياطات لازمة وتقوية الوضع المالي للبلد للسنوات المقبلة»، منوها بأن «سنة 2016 كانت صدمة كبيرة لم يكن بالامكان امتصاصها بسهولة لانحدار اسعار النفط ولذلك كان التكيف مع هذا الوضع قضية شبه مستحيلة ولكن بعد ذلك بدأت بعض الاجراءات التي اتخذت من قبل الحكومة للتكيف من خلال ضغط النفقات وزيادة الايرادات المحلية فالمطلوب منا التخطيط بشكل سليم، لا يعرض البلد الى ضغوطات مالية او ازمات واعادة نظر بهيكلية النفقات العامة للدولة وتفعيل وتعظيم الايرادات المحلية ضمن القانون والنظام والتعليمات السارية حاليا ونحن لا ندعو الى فرض او زيادة رسوم او ضرائب او غيرها وانما ندعو الى السيطرة على موارد الدولة ومنع وصولها إلى جيوب الفاسدين والمتلاعبين كما يحصل مع الأسف في ضعف مساهمة الايرادات الضريبية والجمركية في الموازنة العامة للدولة».
وبسؤاله عن التنسيق مع البنوك المركزية العالمية والعربية لاسيما الخليجية، أجاب محافظ البنك العراقي «لدينا علاقات مع جميع البنوك المركزية العالمية والعربية بشكل خاص ونلتقي في اطار صندوق النقد العربي كمحافظين ونلتقي ضمن مؤسسات مالية دولية اخرى مختلفة فاللقاء والتنسيق في بعض الامور مع السعودية قائم بعيدا عن المسائل السياسية لانها مؤسسات مهنية اقتصادية وموضوع شطب الديون او تسويتها مسألة سياسية بامتياز ولذلك نتوقع ان يوفر تحسن العلاقات مع الدول الاخرى لاسيما الخليجية والسعودية اطارا مناسبا لحسم هذا الموضوع».
وعن دعوات تخفيض قيمة الدينار أمام الدولار الأميركي لايقاف الهدر في العملة الصعبة، أفاد العلاق بأن «الموضوع طرح في عدة مناسبات وعلى مختلف المستويات وتمت دراسته بامعان من قبل البنك المركزي والتشاور مع صندوق النقد الدولي حوله»، مشيراً إلى أن «البنك المركزي العراقي يأخذ بنظر الاعتبار ان اي تخفيض بقيمة الدينار لبلد مستورد وليس مصدرا سيدفع ثمنه الباهظ المواطن ونحن نعلم ان دخل نسبة كبيرة من العراقيين يأتي من الراتب الحكومي فاذا تم تخفيض قيمة الدينار ستنخفض القدرة الشرائية لعدد كبير من الأسر العراقية وكأننا فرضنا ضريبة على كل المواطنين بغض النظر عن مستوى معيشتهم بما سيضر الجميع وبخاصة العاملين في السلك الحكومي، فضلا عن أن التخفيض لو تم فلن يوفر إلا مبلغاً بسيطاً».
وبشأن أسس بناء السياسة النقدية للبلد، بين أن «السياسة النقدية لا تبنى على اساس الاحداث او الازمات الطارئة انما يجب ان نأخذها على مسار في حسابات متوسطة وطويلة الامد وبالنسبة لنا لا نلجأ لتعديل قيمة العملة كلما انخفض سعر النفط»، منوها بأن «احتياطي البلد من العملة الاجنبية وظيفته ومهمته سدّ النقص في الازمات كي يتجاوز المرحلة وهذا ما حصل عام 2009».
وفي إجابته عن الاستثمارات التي تشكل عائدات مالية للبنك المركزي العراقي، قال العلاق: إن «استثمارات البنك المركزي محددة بالعملات الاجنبية والذهب وسندات الخزينة وهذه بشكل رئيس خالية المخاطر وتكون لدى بنوك مركزية او مصارف مصنفة الاول في العالم فنتعامل مع البنك الفيدرالي الاميركي وبنوك لندن وفرنسا وهولند واستراليا والان نبحث عن الاستثمار بالعملة الصينية»، منبها على أن «هناك قاعدة في الاستثمار فحواها أنه كلما كانت درجة المخاطرة قليلة او معدومة فان المردود يكون قليلا ولهذا فطبيعة الاستثمارات لدينا خالية من المخاطر ومردودها محدود جدا».
واستدرك العلاق أن «هناك مجالا للمناورة والاجتهاد في حدود معينة قد تخلق فارقا كالاستثمار بالذهب الذي قد يرتفع ويشكل مردودا جيداً او لا يرتفع فنعمد إلى تخزينه»، مشيراً إلى أننا «فكرنا بأن لا ندفع على الذهب أجور خزن وانما نستثمره بطريقة لا نتحمل فيها هذه الأجور ونحقق ايرادا بسيطا كما حققنا نجاحاً بالاستثمار في بنك التنمية الاسلامي وحقق مردودا جيدا».
*
اضافة التعليق