أبو كاطع: الاصيل الذي لم يفلح أحد في تقليده

بغداد- العراق اليوم:

في قرية صغيرة على ضفاف الغراف في محافظة واسط-قضاء الحي- ولد شمران يوسف الياسري في عام 1927م.

من عائلة تمتهن الزراعة, لكنها لم تكن تملك الأرض, إلا أن إنحداره من أسرة علوية (من السادة) أعطى عائلته مركزآ مرموقآ ووجاهة اجتماعية في المحيط الذي يعيش فيه ومنحه تعاملآ خاصآ مع ملاك الارض والفلاحين على حد سواء.

لم يدخل شمران الياسري المدارس الحكومية وانما درس في الكتاتيب (الملا) وحفظ القران على يد والدته, لكن رصيده التعليمي لم يتوقف عند هذا الحد, بل دفعه ولعه ورغبته في التعلم أن يعتمد على نفسه ويواصل القراءة الخارجية.

وقد أتصل بالمثقفين من أهل المدن القريبة, وفي مقاييس ذلك الزمان فأن المعلمين هم رموز الثقافة والعلم.

وكانت له زيارات إلى بغداد ,حيث أحتك بأهل الفكر والسياسة,الأمر الذي حفزه أكثر لزيادة رصيده المعرفي. وبالفعل فقد أصبحت معلوماته في القراءة والكتابة لاتقل عن خريجي المدارس الثانوية, بل تفوقهم, عندها أشار عليه بعض أصدقائه المقربين أن يقدم للامتحان الخارجي, وكان أن أجتزه بنجاح.

بعدها بدأ يتعلم الانكَليزية ويأخذ دروس خصوصية فيها,اضافة إلى تعلم مبادىء المحاسبة ومسك دفاتر (البلانجو) الذي أهله في فترة لاحقه للعمل لدى بعض المحال التجارية بصفة محاسب.

وكان لديه مشروع للدراسة الجامعية, لكن أنغماسه بالعمل السياسي والصحفي والظروف التي تضطره بعض الأحيان للأختفاء, منعته من تحقيق هذا المشروع.

فيما بعد أصبح شمران الياسري الشاب القادم من الريف, مثقفآ من الطراز الاول, يلتهم الكتب بشغف, ويقبل على قراءة كل مطبوع يتوفر له سواء في مجلات الادب والثقافة, أضافة للسياسة.

بعدها أنتقل شمران الياسري إلى بغداد, وبدأ يكتب في عدة صحف.

وأنتسب إلى نقابة الصحفيين وأتحاد الأدباء, واصبح لديه عمود يومي يكتبه في جريدة طريق الشعب.

وكان الغالب على نتاجاته, الهموم الفلاحية ومشكلات الريف , أما برنامجه الأذاعي ( أحجيها بصراحه يبو كَاطع) فقد كان خطآ أوفتحآ جديدآ في مجال البرامج الشعبية, بل يمكن وصفه بأنه عمل ريادي في مجال البرامج الجماهيريه فهو برنامج ناقد وساخر يترقبه الجميع من ابناء المدينة والريف على حدآ سواء.

وعمل الياسري في عدة صحف ومجلات منها: صوت الأحرار, البلاد, الحضارة, الثقافة الجديدة, الفكر الجديد.

وقد كانت باكورة عمله الادبي عمله الروائي رباعيته الشهيرة وهي: (الزناد ,بلابوش دنيا , فلوس أحميد, غنم الشيوخ) التي أرخ فيها مرحلة حرجة من مراحل الدولة العراقية الحديثة لأكثر من أربعة عقود, تتطور فيها سلطة الاقطاع, وتلقي بظلالها على ريف الوسط والجنوب-محور الرواية ومناخها_ لقد قدمت هذه الرواية المرحوم (شمران الياسري-ابو كَاطع) اديبآ عظيمآ عرفه العراقيون عبر قلمه الرائع و برنامجه الاذاعي الذي شغل الناس وحاز حبهم واعجابهم..

وعندما بدأت جهود نشر الرواية,وهي جهود استمرت لاشهر لإقناع وزارة الثقافة والاعلام (سابقآ) لتعضيد نشر الرواية’, ثم اعتذارها لاسباب معروفة, تحول الهدف إلى أن يتولى القراء تمويل النشر من خلال شراء الرواية مقدمآ..

وفي السبعينيات درس الصحافة من خلال عدة دورات صحفية في معهد الصحافة بألمانيا الديمقراطية.

وتعرض للملاحقة والاعتقال عدة مرات وتنقل بين سجن بغداد المركزي, وبعقوبة, والعمارة, نتيجة توقيعه نداء السلم في كردستان.

بعد ذلك غادر العراق عام 1976 متخفيآ إلى أوربا ليعمل مندوبآ لوكالة الأنباء الفلسطينية في( براغ) .

وفي المنفى كتب روايته الثانية (قضية حمزة الخلف) ونشرت بعد وفاته في بيروت, ووصلتنا بعد أن عاد المنفيون عام 2003.

وفي 1981/8/17 توفى هناك في حادث سير غامض.

توفي ابو كَاطع بعيدآ عن وطنه واسرته, وقد اوصى بأن يدفن في مقبرة الشهداء الفلسطينين في بيروت كي يقترب أكثر من العراق , ولكي يجنب أسرته وأصدقاءه مما قد يتعرضون اليه من السلطه أنذاك, بأعتباره كان مطلوبآ لها, وهدفآ ينوون تصفيته.

سيبقى (شمران الياسري- ابو كَاطع), متفردآ في حصاد القيمة الكبرى للكتابة من الريف عبر افق فني وادبي لم يتح لمثله .. وسيبقى الريف العراقي قضية كبرى ومصنعآ هائلآ لانتاج الثقافة ومنبت الفكر في الشعر والادب والسياسة.. ولقد كانت (صراحة) ابو كَاطع مدرسة كبرى في انتاج العمود الصحفي, ثم في انتاج الرواية الرائعة.

الوصف

توضيح عن ابو كَاطع

عاش المرحوم (شمران الياسري) قليلاً، وكتب قليلاً، وقال قليلاً.. فلم يُتح لطاقته الهائلة في الكتابة، وجرأته البالغة، أن تنتج الشيء الكثير، الذي نحتفي به كل عام، ونحاول الحفاظ عليه في هذا المشروع.. فـ(شمران الياسري)، رغم كل الصعاب التي لازمت فترة إنتاجه القصيرة، طغى على معاصريه بقلم فاتن، أبهر جمهوره من عامة الناس ومن خاصتهم، وأقلق سلطة الحكم، فحبسته تارة، وطاردته تارة أخرى، ودفعته في النهاية للمنافي، ليكتب آخر روائعه (قضية حمزة الخلف) بعيداً عن الوطن، ولتنشر بعد رحيله بنحو عامين..

فقد مات (أبوكاطع) عام 1981 وهو ينهي العقد الخامس من عمره، بعد أن نشر رباعيته عام 1972، ونشر روايته الثانية ضمن عشرات المشاريع التي حمل مسوداتها معه وهو يغادر بغداد بعد منتصف إحدى الليالي منسّلاً من دار أحد الأصدقاء.. فبين مشاريع روايات، وقواميس، لم ير منها النور بعد رحيله إلا رواية (قضية حمزة الخلف)، الرواية التي تصل الأحداث التي انقطعت من رباعيته الخالدة.

ولقد عاش (شمران الياسري) عفيف النفس، نزيه الضمير، متمردا على البيروقراطية التي واجهها في المؤسسات التي عمل فيها، فوزّع تقواه ونجابته على من حوله، فلم يكن سياسيا نهّازاً للفرص، بل كان فلاحاً شديد القرب من الأرض، وكان يفهم عمق المحنة التي يصطرع بها رفاق دربه، ويعرف من يستحق منهم الرفقة، ومن منهم من (لا يساوي فلسا!).. وكان إنتاجه في العمود الصحفي متفرداً لم يغامر غيره بتقليده أو محاكاته.

إن هذه الشخصية المتفردة، والتجربة الغنية، وواجب شعبنا في تخليد مبدعيه، وحق الأجيال الآتية كي تعرف أسلافها، وحسناً فعل فنان الشعب فؤاد سالم الذي أنشد اغنية للمناضل الوطني شمران الياسري، حين خاطبه بلحن جميل ، وأداء رائع، وكلمات اروع، قال فيها(المطر لو طاح ينشد وين أبو كاطع ابو كلب الحنين الأبيض الناصع )،.

نعم فقد كان ابو كاطع ابنآ وفياً للأرض والمطر والفقراء الطببين.

علق هنا