بغداد- العراق اليوم:
يحاول انتحاري تفجير نفسه على مقربة من نقطة تفتيش للجيش العراقي فيحبط أحد الجنود المرابطين فيها تلك المحاولة بإطلاق النار عليه ليعقبه انتحاري ثانٍ حاول استهداف المدنيين على بعد أمتار قليلة فقط عن مكان الحادث الأول وينجح جندي آخر في إيقافه بالطريقة نفسها قبل أن يعلن حظر التجوال في المكان.
لم يسجل هذا المشهد في مدينة قريبة من مناطق سيطرة التنظيم كمحافظات نينوى أو الأنبار أو كركوك أو ديالى وصلاح الدين حيث يحتفظ التنظيم ببعض الأراضي هناك، فالحادث وقع في الطارمية أكبر مدن الجزء الشمالي للعاصمة بغداد والتي يفترض أنها بعيدة كل البعد عن مناطق سيطرة داعش.
في الثامن من تموز (يوليو) تتطور الأحداث وتتدخل طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد المتشددين وتستهدف مضافة للتنظيم في الطارمية وتقتل سبعة من عناصره فيها كما أعلنت قيادة عمليات بغداد.
يتكرر المشهد الأول بعد أيام قليلة وتحديدا مساء السبت منتصف تموز (يوليو) الماضي بتفجير انتحاريين لنفسيهما بعد مداهمة قوة أمنية لأحد المنازل في الطارمية، في تلك اللحظة تدرك القوات الأمنية المسؤولة عن الطارمية أن مهمتها لا تزال معقدة هناك وإنها تتعرض لهجمات تشبه تلك التي تعرضت لها حينما كان تنظيم داعش يسيطر على هذه المدينة.
إذ أن عناصر التنظيم الذين يشكلون خلايا نائمة لا يزالون مختبئين في العديد من المنازل المهجورة والتي يتخذونها مضافات لهم تضم أكداسا من الأسلحة والعتاد والمواد المتفجرة.
وبمراجعة سريعة للأحداث الأمنية التي تشهدها الطارمية يتضح أنها تسجل حادثة او حادثتين يوميا تُستهدف فيها القوات الأمنية المرابطة هناك من قبل قناص متخفٍ او مسلحين مجهولين او عبوة ناسفة أو حتى انتحاري مندفع، وفقا لما يشير اليه الموقف اليومي للعمليات الصادر عن الأجهزة الأمنية العراقية والجهات ذات العلاقة.
وتتمثل خطورة الطارمية من كونها تربط أربع محافظات عراقية مع بعض وهي صلاح الدين شمالا وديالى شرقا والأنبار غربا والعاصمة بغداد التي تمثل البعد الجنوبي للطارمية.
كما أن هذا الموقع الجغرافي يعطي أهمية استراتيجية لتنظيم داعش الذي يدرك أن سيطرته على مساحة وإن كانت صغيرة في الطارمية ستسمح له بإحياء وجوده في العاصمة بغداد مستمدا قوته من المحافظات الثلاث الأخرى التي يحتفظ فيها بخلايا نائمة تنشط بصورة ملحوظة.
هذه السيطرة التي يخطط لها التنظيم ستسمح له بإدامة عملياته الإرهابية في العاصمة لاسيما مع تشديد الإجراءات الأمنية عند مدخلها الغربي مع الأنبار المتمثل بسيطرة الصقور ما يعني عدم قدرته على إرسال سياراته المفخخة وانتحارييه من القائم والأراضي السورية إلى بغداد.
لا تركز وسائل الإعلام المحلية على ما يحدث في الطارمية كثيرا مثلما تفعل صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم الطارمية تتحدث بشكل يومي عن هذه الهجمات التي تبين أن هنالك معركة تستعر نيرانها بصمت.
بموازاة ذلك تتحدث وكالات يبدو من أسمائها أنها تابعة لتنظيم داعش او داعمة له عن تطورات المعركة الصامتة كوكالة الصوارم وأخبار المسلمين فضلا عن وكالة أعماق المعروفة بتجسيدها الجناح الإعلامي للتنظيم المتشدد فيما يبدو أنه مخطط إعلامي لدعم معركة الطارمية بموازاة التطورات الأمنية هناك.
أقل من نصف ساعة فقط يحتاجها المسافر للوصول من مرآب النهضة وسط العاصمة بغداد الى الطارمية التي لا تبعد سوى خمسين كيلومترا عن قلب العاصمة، وهي واحدة من مدن ما يعرف بحزام بغداد وهي المناطق المحيطة بالعاصمة والتي لطالما ظلت عقدة أمام القوات الأمنية العراقية التي لم تتمكن من تأمينها بالكامل حتى الآن.
هناك يبدو الأمن هاجسا مقلقا لسكان المدينة المحليين لاسيما وأن مدينتهم التي تم تحريرها من من المتشددين في تشرين الثاني (نوفمبر)2014 لا تزال تشهد توترات أمنية بصورة يومية تؤكد بقاء تنظيم داعش على شكل خلايا نائمة تنشط أكثر حتى مما تنشط نظيراتها في المناطق القريبة من معاقل التنظيم في نينوى أو الأنبار أو كركوك أو ديالى وصلاح الدين.
"استبشرنا خيرا بإعلان الطارمية مدينة آمنة من قبل قيادة عمليات بغداد بعد أن أنهت عملية السيل الجارف" يقول الشيخ صبيح السلمان أحد شيوخ عشائر الطارمية.
السيل الجارف هي العملية الأوسع التي أطلقتها القوات الأمنية على مدى اسبوع كامل في قضاء الطارمية بدءاً من التاسع من شهر نيسان (ابريل) الماضي وحتى السادس عشر من الشهر نفسه، وبانتهاء العملية أطلق قائد عمليات بغداد اللواء الركن جليل الربيعي اسم (المدينة الآمنة) على الطارمية غير أن الواقع فيها لا يشير إلى ذلك.
كما أن إعلان قائد عمليات بغداد وقت انتهاء العملية أشار وبصورة مباشرة إلى عدم وجود منتمين لتنظيم داعش من أهالي الطارمية وهو ما لم تفسره الأحداث التي أعقبت انتهاء العملية.
"منذ ان انتهت عملية السيل الجارف وحتى الآن تعمد القوات الأمنية بشكل يومي الى قطع شارع ما أو شن حملة دهم وتفتيش وهي بالفعل تكشف عن مضافات جديدة وأكداس مخبأة وتلقي القبض على مطلوبين أو تواجه انتحاريين وهذا يعني أن العملية لم تنتهِ بصورة فعلية وأن الطارمية ليست آمنة بعد" يضيف الشيخ السلمان.
ويلفت السلمان إلى أن "الواجب من الأهالي رفض كل ما من شأنه أن يعيد الطارمية إلى فترات الظلام وإن كان هنالك أي شخص ينتمي لداعش من أبناء عشائر الطارمية فعلى عشيرته أن تتبرأ منه".
أن تتبرأ عشيرة ما من أحد أبنائها فهذا يعني أن هذا الشخص بات غير مرحب به في العشيرة ولا ينتمي لها أي أن قرار البراءة هو أشبه ما يكون بالطرد من العشيرة.
داخل قاعة مغلقة بمركز أمني للجيش العراقي ابلغ قائد الفرقة السادسة في لواء المشاة الثاني والعشرين المسؤول عن أمن الطارمية العميد الركن حسين المالكي وجهاء وشيوخ عشائر الطارمية أن التوجيهات التي صدرت عن قيادة عمليات بغداد تتضمن محاسبة اي شيخ عشيرة يتم العثور على مضافة لتنظيم داعش ضمن بساتين عشيرته.
تتميز الطارمية ذات الطبيعية الزراعية الريفية ببساتينها الواسعة والتي تسمح للخلايا النائمة بإنشاء المضافات داخل هذه البساتين بعيدا عن عيون رجال الأمن، وتركز عمليات الدهم والتفتيش المستمرة على البحث عن هذه المضافات بالتعاون مع شيوخ العشائر ووجهاء الطارمية بناحيتيها المشاهدة والعبايجي وجميع القرى التابعة.
ويبدو أن هنالك رغبة من السكان المحليين للطارمية للتعاون مع القوات الأمنية لجعل مدينتهم آمنة فعلا، ففي الخامس عشر من شهر تموز (يوليو) الحالي وقع ممثلو القوات الأمنية وثيقة شرف مع شيوخ العشائر ووجهاء الطارمية تتضمن نقاطا عدة ملزمة للشيوخ والوجهاء تصب جميعها في اتجاه التعاون التام مع الأجهزة الأمنية.
كما تم الاتفاق بين الجانبين على أن اي تقصير في حالة وجود أي من المضافات في المنازل أو البساتين سيلقي على المقصر مسؤولية المحاسبة القانونية والعشائرية، وتضمنت الوثيقة ايضاً التأكيد على ضرورة الإدلاء بجميع المعلومات من قبل المواطنين.
وتعليقا على الوثيقة يقول الشيخ سعيد الجاسم المشهداني وهو المسؤول العشائري عن قوات الحشد الشعبي في الطارمية، إن "كل العشائر في الطارمية وقعت على هذه الوثيقة والكل سيقف مع القوات الأمنية لتحرير المدينة بشكل نهائي".
ويضيف "كل من يؤوي إرهابيا فهو إرهابي وكل من يدعم الإرهاب فهو إرهابي وكل من يحمل السلاح ضد القوات الامنية ستتعامل معه القوات الأمنية كإرهابي".
الوثيقة الملزمة لشيوخ ووجهاء الطارمية تعول عليها القوات الأمنية كثيرا لاسيما وانها تعتقد أن كل ما يحصل في الطارمية ناتج عن عمل مجموعات صغيرة مرتبطة بتنظيم داعش وأن التعاون مع السكان المحليين من شيوخ ووجهاء ومواطنين فاعلين في مجتمعاتهم سيقضي على تلك المجموعات.
قول العميد حسين المالكي قائد الفرقة السادسة – لواء المشاة الثاني والعشرين المسؤول عن أمن الطارمية، إن "القوات الأمنية ستقوم بالتعاون مع الشيوخ والوجهاء والمواطنين بالقضاء على ما تبقى من خلايا نائمة ما هي إلا مجاميع صغيرة فالسكان المحليون هم جزء لا يتجزأ من الامن في الطارمية".
اليوم تستمر العمليات الأمنية في الطارمية كما تستمر مثيلاتها في مدن محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك والأنبار، وترى قوات الأمن العراقية أن أحداث الطارمية اختبار صعب لها لكنها أصعب بالنسبة لتنظيم داعش والمحصلة أن كلفة إنهاء المعركة الصامتة في المدينة ستكون باهظة بالنسبة للطرفين كما كانت كذلك في معارك أخرى.
عن موقع نقاش
*
اضافة التعليق