بغداد- العراق اليوم:
انفجاران في بغداد خلال ساعات رمضانية محدودة والضحايا فاقوا الثلاثين. ما المشكلة؟ أصبح الامر عادياً منذ حوالي أربعة عشر عاماً. يقع الانفجار، تتمزق أجساد العشرات، يجمعون لحمها، يغسلون الدماء، يجمعون الحطام وتصدر ادانات خجولة بدأت تتراجع تدريجا، وتخرج علينا برامج تلفزيونية يتساءل ضيوفها الأسئلة ذاتها، ويوجهون الاتهامات ذاتها وبكل صلف يقول بعض السياسيين المعارضين: لن تنتهي التفجيرات إذا لم يجرِ حلّ المشكلة السياسية. من يقول هذا الكلام انما يعلن على الملأ أنه، على الأقل، داعم للعمليات الإرهابية. لا يقتصر هذا الكلام على عراقيين بل يقوله صراحة مسؤولون ودبلوماسيون عرب، عندما يدعون الى “تصحيح معادلة الحكم” كشرط لعودة الاستقرار الى العراق. أي تصحيح وكيف؟ الجواب معروف للجميع. يتكرر هذا المشهد حتى بات من عناصر حياتنا اليومية وتأثيره في نفوسنا لا يستمر سوى دقائق. لم نسمع مرة ان مسؤولا أمنياً تعرض للمحاسبة. تفجير الكرادة في رمضان الماضي والذي تدور شبهات لا حصر لها حول متورطين في تسهيل حدوثه، مرّ دون أية محاسبة. لجنة تحقيقية، كسابقاتها، لم يسمع أحد بنتائج عملها وراحت دماء أكثر من ثلاثمائة شاب بعمر الورود هدراً وباتوا نسياً منسيّا. كثير من الكلام الصحيح يدور حول بيع مناصب أمنية بمبالغ تصل الى ملايين الدولارات. من يشتري المنصب كيف يتورع عن التواطؤ مع داعش لتمرير سيارة مفخخة لقاء مبلغ كبير؟.
تعلن داعش مسؤوليتها عن التفجيرات وبلغة طائفية تكفيرية واضحة، ثم يقال ان الإرهاب لا دين له ولا طائفة. مع ان القتل يجري وفق روايات وأحاديث منسوبة زورا الى نبي الإسلام “تزخر” بها كتب التراث المليئة بالقمامة. تقول هذا فيتهمونك بالطائفية فيقفون في ذلك مع الإرهاب التكفيري الذي يقتل الشيعة والسنة. التكنولوجيا تلعب اليوم دوراً رئيسيا في حفظ الامن ومكافحة الإرهاب، ونحن، ومنذ سنوات، نناقش ونتحدث عن شراء أجهزة لكشف المفخخات. دعونا من السونارات الفاسدة. هناك أجهزة لكشف المتفجرات توضع في سيارات متجولة وليست متوقفة في أماكن معلومة يمكن تحاشي المرور منها. واشنطن زودت نيجيريا بعدد منها فانخفضت التفجيرات بنسبة تسعين بالمئة، وهي متوفرة وطالما تحدث الحريصون عنها وطالبوا بجلبها ولا من مجيب. عقدت الداخلية صفقة لشراء عدد منها ليتبين لاحقا ان الصفقة نخرها الفساد وان المستورَد هي سيارات لكشف تهريب البشر عبر الحدود وليس المتفجرات. جاؤوا بغيرها فاذا هي مخصصة للشاحنات فقط ولا تكشف سوى المناطق المرتفعة. الاجهزة الفعالة موجودة لدى دول عدة وقد تم تصنيعها في ايران أيضا وبأسعار منخفضة فلماذا لا نأتي بها. لا أحد يجيب. حتى وزير الداخلية الحالي الحامل لذهنية عملية تختلف عن سابقيه، لم يبد حركة بهذا الاتجاه حتى الآن، وعندما سألناه خلال لقاء عدد من الإعلاميين به، لم يكن جوابه يختلف عما سمعناه سابقا من وجود محددات قانونية ومالية وووو. في كل الدول يجري التعامل مع ما يخص أمن الناس وحياتهم ودماءهم بطريقة خاصة تؤمن سرعة الاجراء وحزمه بدل الركون الى الروتين والتعليمات الإدارية والضوابط والمحددات المالية الموضوعة لمرحلة الاستقرار والسلم. يبدو ان إراقة دمائنا باتت أمراً روتينياً أيضاً، لا يتحرك لها جفن، ولا يهتز لها شارب. غاية الامر تصريح يدين بخجل وآخر يعلق الامر على شماعة الخلافات السياسية، فنغسل الدماء ونجمع الحطام بانتظار التفجير القادم.
من هو الذي يريد استمرار قتلنا ولماذا؟.
*
اضافة التعليق