بغداد- العراق اليوم:
مرة اخرى يضرب الارهاب في الكرادة الشرقية، موقعاً عشرات الشهداء والجرحى وبعضهم في حالة حرجة، وخسائر مادية كبيرة. فانا لله وانا اليه راجعون. فلماذا هذا الاستهداف للكرادة بالذات، وهي التي عرفت هدوءاً كبيراً حتى في اشد فترات تصاعد العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والانتحاريين، اي في فترة 2005-2012، بحيث لجأ اليها كثير من السكان المهددين في مناطق كانت حرجة يومها.
1- "الكرادة الشرقية" عاصمة بغداد، حسب تعبير احد المفكرين.. فهي المنطقة العصية والمعارضة في فترات النظام السابق.. وفيها عدد كبير من المصالح الخدمية والاقتصادية والتجارية المتقدمة فيقصدها الجميع، ويعتبرها قدوة يقتدى بها.. وفيها اعداد كبيرة من المسؤولين والمقرات السياسية والحشد.. فكلما تحققت نجاحات في الفلوجة والرمادي وفي الموصل اليوم، كلما استُهدفت الكرادة بشكل خاص. وخلافاً للمنطقة الخضراء والكاظميين والاعظمية ومدينة الصدر مثلاً، حيث هناك سيطرة كبيرة على المداخل الاساسية مع حرية واسعة في الحركة الداخلية، فان الكرادة منعت فيها الحركة الداخلية بشكل قاتل، دون ان يسيطر على جميع مداخلها الخارجية.
2- كانت الكرادة وما زالت منطقة مفتوحة من حيث تنوعها الفكري والديني والمذهبي والاجتماعي.. فيها المسلم والمسيحي.. والعربي والكردي والتركماني وغيرهم.. والشيعي والسني.. وفيها عشرات الحسينيات والمساجد وحوالي 29 كنيسة.. وفيها العوائل البغدادية العريقة، وفيها امتدادات العشائر الاصيلة.. فيها البيوت المستقلة وفيها العمارات السكنية ونظام الشقق.. فيها من الاغنياء وفيها من متوسطي الحال والدخل المحدود. ولتنوعها هذا فانها استقبلت خلال العقود الماضية الكثير من الذين هاجروا من مناطقهم واستقروا فيها. فعندما تضرب الكرادة، يضرب العراق كله.
3- يقوم البعض، للأسف الشديد، بحسن نية او باجندات خاصة بخطوات متسرعة غير مدروسة، تخدم في المحصلة الارهاب، ويقوم بتهييج العواطف، كلما حصلت عملية ارهابية. فعندما حصل الحادث الاجرامي الكبير في منطقة حسينية "عبد الرسول علي" في 2016 اشتكى بعض الامنيين من صعوبة السيطرة على مسرح الجريمة، وانه تم التصرف معهم بشكل غير اصولي. بينما يقول العقل، وتستدعي مقتضيات الوطنية ومحاربة الارهاب ان يكون التعاون مع الاجهزة الامنية والمسؤولين وادانة الارهاب اساساً، وعدم توجيه المعركة لاية مشكلة فرعية تحت اية حجة كانت. لذلك جاء الاجراء الخاطىء بضغوطات بعض الاشخاص والمسؤولين بغلق "الكرادة داخل" تماماً، مما عنى في الواقع قتلها وتدميرها، دون ان يحمي اهلها حقيقة. فخدم رد الفعل الارهاب ولم يخدم الاهالي والمنطقة. فالارهاب عندما يضرب منطقة "الفقمة" في الكرادة ليلة امس، فلأن الناس تقصدها في اماسيها وليالي شهر رمضان المبارك للترويح عن النفس.. وهذا ما يستهدفه الارهاب. فيجب ان لا نعين الارهاب على انفسنا. ويجب التركيز على ضبط المداخل تماماً، ومسح المنطقة جيداً مع المراقبة الدقيقة من الاهالي والاجهزة، وفتح حرية الحركة في الداخل كلما امكن، لكي يعاد احياء "الكرادة داخل"، لا ان نلحق "الكرادة خارج" بالوضع القاتل الحالي "للكرادة داخل".
4- لاشك ان هناك طابوراً خامساً يعمل بيننا، ويروج للارهاب بتسقيط اعدائه.. ولاشك ان الارهاب يبتز كثيرين، كما يبتز دولاً، فيدفعون ليقوا انفسهم من عملياته. فلنضع هذه الحقيقة امامنا عند تشخيص المواقف.
5- يقول احد كبار المسؤولين عن الملف الامني انه كان في زيارة الى الانبار والمنطقة الغربية.. ويقول انه تابع تجمع "الداعشيين" الهاربين من معارك الموصل في الرطبة والقائم والصحراء الغربية.. وانهم يخططون لضرب بغداد ومناطق اخرى، ونعتقد انه محق في ذلك.. فلقد حصل تفجير اخر صباح الثلاثاء عند جسر الشهداء قرب دائرة التقاعد، ووقع العديد من الشهداء والجرحى ايضاً. فالمعركة لها ابعاد وطنية، وعلينا جميعاً ان نبقيها بهذا المستوى، لانه انطلاقاً من هذا المستوى يمكن معالجة الثغرات والاخطاء والامور السلبية.. وان علينا جميعاً ان نقف وقفة واحدة للتصدي للارهاب وخططه.
وان نتحد ونتضامن فيما يهددنا جميعاً، ان كنا مخلصين حقاً. واي خلاف لا يمس التصدي والوحدة والتضامن امر صحي ومقبول. ولاشك ان الارهاب هو ما يهدد الجميع.. وان محاربته والتصدي له هو المشترك الكبير لكل المواطنين والمسؤولين، وهذا لن يرضي الطابور الخامس للاعداء والارهاب.
*
اضافة التعليق