بغداد- العراق اليوم:
في لحظة سياسية ذات دلالة عميقة، استكمل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني آخر فصول حكاية دور مبعوثي الأمم المتحدة في العراق، واضعاً حداً لمرحلة طويلة ظل فيها الحضور الدولي يتجاوز أحياناً حدود الدعم إلى ما يشبه الوصاية السياسية غير المعلنة.
لسنوات، كان العراقيون يستحضرون، مع كل تصريح أو جولة لمبعوث أممي، صورة “المندوب السامي” في العهد الملكي البائد، حين كان القرار الوطني منقوصاً، والسيادة محكومة بإرادات خارجية. هذا الشعور لم يكن وليد فراغ، بل تغذى من مشاهد متكررة لتجوال المبعوثين الدوليين في الأروقة السياسية والدينية، وفي الساحات العامة، والتدخل في لحظات داخلية حساسة، كما يتذكر العراقيون جيداً أدواراً أثارت جدلاً واسعاً خلال حراك التظاهرات قبل أعوام. لكن اليوم، وبفعل جهد سياسي هادئ ومتراكم، مضى السوداني نحو طي صفحة الوصاية الدولية على العراق. لم يكن ذلك عبر الصدام أو الخطاب الشعبوي، بل من خلال تثبيت معادلة الدولة المستقرة، القادرة على إدارة شؤونها، وبناء علاقاتها الخارجية على أسس الندية والاحترام المتبادل.
وجاء التصريح التاريخي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ليشكل تتويجاً لهذا المسار حين أكد أن “العراق بلد طبيعي، وأن علاقة الأمم المتحدة به يجب أن تكون علاقة طبيعية”.
هي عبارة مختصرة، لكنها تحمل بين سطورها اعترافاً دولياً صريحاً باستعادة العراق لعافيته السياسية، وخروجه من خانة “الدولة الاستثنائية” التي تحتاج وصاية أو إدارة خارجية. إنها لحظة فارقة بكل المقاييس والاعتبارات. لحظة تعيد إلى الذاكرة محطات مفصلية في تاريخ الدولة العراقية، حين جرى تأميم القرار الوطني وإخراجه من قبضة التأثيرات الخارجية. وفي هذا السياق، لا يتردد كثيرون في المقارنة بين ما ينجزه السوداني اليوم، وبين ما مثله الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم حين أعاد للعراق صورة الدولة غير المنقوصة السيادة، وصاحب القرار الحر. لقد جاء هذا التحول في وقت بالغ الحساسية إقليمياً ودولياً، حيث تعصف الصراعات بدول المنطقة، وتتقاطع المشاريع الدولية على حساب سيادة الدول الضعيفة.
ومع ذلك، نجح العراق، بقيادة السوداني، في تثبيت موقعه خارج نيران الحرائق الكبرى، مقدماً نموذجاً لدولة تحمي مصالحها دون أن تعادي أحداً، وتبني علاقاتها دون أن تتنازل عن قرارها.
إن إنهاء دور “المندوب السامي” بصيغته الحديثة، ليس إجراءً إدارياً ولا تفصيلاً بروتوكولياً، بل هو إنجاز سيادي بامتياز، يُسجل لحكومة أدركت معنى الدولة، ومعنى أن يكون العراق سيد قراره، لا ساحة لتجارب الآخرين. من هنا، يستحق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الشكر والإشادة، ويستحق أن تُرفع له القبعات احتراماً لجهده الوطني الذي لم يكن ثمرة لحظة عابرة، بل حصيلة تعب ومواصلة وصبر سياسي طويل. إنه موقف تاريخي سيبقى علامة فارقة في سجل الدولة العراقية الحديثة، وشهادة على أن استعادة السيادة ممكنة حين تتوفر الإرادة والحنكة والشعور الصادق بالمسؤولية الوطنية.
*
اضافة التعليق
اللامي يعلن انضمام العراق للرابطة الدولية لسلطات مكافحة الفساد (IAACA) رسمياً
السوداني بين إشادة الأمم المتحدة.. و (مصالح) الإطار التنسيقي .. !
الأمين العام للأمم المتحدة يشيد بالتطورات الحاصلة في العراق
زيدان يدعو القوى السياسية لإنجاز الاستحقاقات الدستورية في اختيار الرئاسات الثلاث
سلطة الشعب أعلى من سلطة الإطار التنسيقي
يتقدمهم السوداني..الإطار التنسيقي يبدأ بتدقيق أسماء مرشحي رئاسة الحكومة