بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيف
فالح حسون الدراجي
يعتقد الكثير من رجال الدين والآباء والأمهات أن لعبة " كرة القدم" تشغل الشباب عن الاهتمام بأمور دينهم ودراستهم وأسرهم، لذلك تراهم يحرصون على الإشارة لهذه النقطة دائماً . وأنا أتفق مع أصحاب هذا الرأي إذا كان الشباب فعلاً منشغلين عن كل شيء، ولا يهمهم في الحياة غير لعبة كرة القدم.. لأني مؤمن بالمثل العربي القائل: " كل ما زاد عن حده.. انقلب ضده "! لكن لماذا ننظر الى نصف الكأس الفارغ دون النظر الى النصف الثاني .. متجاهلين حقيقة يعرفها الجميع، مفادها أن لعبة كرة قدم أصبحت اليوم علاجاً طبياً شافياً لعشرات الأمراض الناشئة بسبب تعقيدات الحياة ومتاعبها.. وأنا أقصد كرة القدم التي يلعبها ميسي ونجوم الكرة، وليس الكرة التي يلعبها "وائل جمعة" وبقية لاعبي " الخردة فروش " !! فحين تشاهد متعة وسحر برشلونة، سواء في زمن ميسي وأنيستا وتشافي ورونالدينو، و " التيكي تاكا "، أو في زمن لامين يامال، وبيدري، ودي يونغ، وبقية الأوركسترا السمفونية التي تمتع بسحرها أكثر من مليار مشاهد في بقاع الكرة الارضية، لا يمكن لأي متعة أخرى أن تضاهيها أبداً .. نعم، فالمتعة الكروية المدهشة التي توفرها مباراة الكلاسيكو ، والسحر الذي ينثره لاعبو برشلونة وريال مدريد مثلاً، لا يمكن قطعاً أن تعوضه كل متع الدنيا وجمالياتها الأخرى.. ومما يزيد في هذا السحر، ويكمل روعته، حالة الجدل والتنافس الشعبي الجميل بين جماهير الفريقين، حتى وصلت هذه التنافسية الى جميع مفاصل المجتمع، بما في ذلك العائلة الواحدة، إذ ستجد أحد الأبناء يشجع البرشا، وأخاه يشجع الريال، وعلى سبيل المثال تجد في أسرتي الابن الكبير "إحسان" يشجع الريال، بينما أنا وابني الآخر ( علي) نشجع البرشا.. مما يجعل زوحتي تشجع الريال، ليس حباً بالفريق الملكي، إنما حباً بابنها الكبير، وتحقيقاً لمبدأ التوازن والتساوي الذي نحرص عليه في كيان العائلة. ومثل أسرتي ثمة الملايين من الأسر في العالم، لها ذات العشق الكروي، وذات التنافسية البيضاء التي تجمع القلوب ولا تفرقها .. لقد تحدثت لكم عن روعة، وجدوى لعبة كرة القدم، بشقها الفني وسحرها الفذ، ولم أتحدث لكم عن شقها الوطني، حين يرتفع علم بلادك عند الفوز عالياً في ملاعب الدنيا وساحاتها .. وبما أن مقالي هذا عن نادي برشلونة، وجنونه، وفنونه، وعشقه الذي يزداد جيلاً بعد جيل، بل ويزداد بعد كل مباراة، اسمحوا لي أن أدعوكم هنا جميعاً، سواءً أكنتم من هواة كرة القدم او غيرها، وكنتم من مشجعي - الغريم الملكي- أو من أندية أخرى-أدعوكم الى مشاهدة مباراة واحدة من مباريات برشلونة، بشرط أن تخلعوا ( نظارة) التحيز، وأن لا تشاهدوا المباراة بقلب المشجع لناد آخر، لأن ذلك يسلبكم حتماً حيادية الرؤية ويمنع عنكم متعة الجودة. إن لاعبي برشلونة الذين يوفرون متعة الفن وروعة الأداء لجماهيرهم، يمكنهم أيضاً ان يوفروها لكم ولكل الجماهير في العالم، وأنا أرى أن الجماهير الرياضية تستحق كلها ان تستمتع بهذا السحر، وهذا الجمال الفني الفريد مهما كانت هويتها الكروية والوطنية. أقول هذا الكلام، وأنا وأنت نعرف أن (برشلونة) الذي يفوز ( بالستات والسبعات) ويسحق الفرق الكروية في عقر دارها، هو يعاني للأسف من مشاكل مالية وتحكيمية واقصائية كثيرة، بل وحتى سياسية، بسبب موقف شعب إقليم كاتلونيا البطل من الحرب الصهيونية على شعب غزة.. وقد لا يعرف الكثير من القراء أن فريق برشلونة، لا يملك المال لشراء لاعب جناح، او لاعب ظهير واحد، وهو لا يلعب على ملعبه منذ فترة بعيدة إنما في ملاعب الآخرين، ولا يحظى بأدنى مستوى من الحيادية في تعامل رابطة الدوري الإسباني "لا ليغا"، معه، خصوصاً رئيس الرابطة "خافيير تيباس"، بل وحتى الإتحادين الأوربي والدولي، فهما كذلك يتخذان ذات موقف الاتحاد الاسباني المعادي، ناهيك من تحيز جميع الأجهزة الحكومية و الرياضية في اسبانيا، بما في ذلك مدرب المنتخب الاسباني نفسه ..! أما مآسي التحكيم وانحيازه ضد برشلونة، فهذه كارثة تستحق لوحدها مقالة .. ورغم كل هذه ( الطلايب ) يفوز البرشا، ويمتع أيضاً الناظرين بفنونه حتى راح خصومه يعترفون بسحره وجماله بما فيهم (جلاوزة) الخليفي ومرتزقته في قنوات (بين سبورت ) اللا رياضية !! لقد بات فريق برشلونة كابوساً مرعباً للمدربين، وللفرق العالمية ايضاً.. وأظنكم رأيتم برشلونة ليلة أمس في مباراته ضد فريق نيوكاسل الإنجليزي، وكيف سحق فريقاً قوياً متكاملاً بين جمهوره وعلى ملعبه، ورأيتم بأم اعينكم سحر بيدري ودي يونغ ورافينيا وبقية الفريق الجميل؟ ختاماً، أرجو أن تقبلوا مني نصيحتي، فتستمتعوا بفن برشلونة، وتعالجوا مشاكل ومصاعب الحياة بسحر بيدري ويامال واهداف راشفورد ولوبيز ورافينيا .. اسمعوا نصيحتي ونفذوها حتى لو كنتم من "الغرماء".
*
اضافة التعليق