بغداد- العراق اليوم:
بقلم : الفريق الدكتور سعد معن الموسوي رئيس خلية الإعلام الأمني
في زمن تتسارع فيه المواقف والآراء كما تتسارع الترندات أصبحنا نواجه ظاهرة خطيرة لا تقل في أثرها عن الجرائم المعلنة بل قد تكون أكثر فتكًا على المدى الطويل إنها ظاهرة الصمت الجماعي تحت الضغط كثيرون اليوم لا يصمتون لأنهم يجهلون بل يصمتون لأنهم يخشون يخشون التنمّر العزلة التصنيف وربما الإقصاء فتراهم يسايرون الموجة يكرّرون ما يقوله الأكثرية لا عن قناعة بل تجنّبًا للهجوم وطلبًا للنجاة في فضاء رقمي لا يرحم
ووفق ما تشير إليه نظرية الحلزون الرقمي فإن الخوف من التعبير عن الرأي – في بيئة رقمية تغذي الصدام وتكافئ الضجيج – ينتج دوامة خطيرة تتقلص فيها المساحات الآمنة للنقاش وتتضخم فيها قوة الأصوات المهيمنة ولو كانت خاطئة وهنا يكمن الخطر الحقيقي على الأمن المجتمعي حين يسكت العقلاء عن قول الحق ويترك المجال للضجيج كي يصنع الواقع في بعض الأحيان
إن بعض الوقائع التي نرصدها كمؤسسة أمنية تؤكد هذا القلق فهناك حوادث إساءة أو تجاوزات قانونية موثقة بالصوت والصورة ولا نجد من يبلغ عنها مخالفات تُرتكب في وضح النهار والناس تكتفي بالمشاهدة أو التعليق لا بالمبادرة أو الوقوف مع الحق كثيرًا ما نُسأل لماذا لم يتدخل أحد؟ والجواب المؤلم في الغالب حتى لا نتعرض لهجوم أو تنمّر أو حتى لا يقال عنا إننا ضد الرأي العام
هذا النوع من التردد لا يحمي الفرد بل يضعف المجتمع فالأمن لا يُبنى فقط بالقوانين بل بالشجاعة المجتمعية بالوعي الجمعي وبالمواطن الذي لا يخشى قول الحقيقة ولو خالف رأي الأغلبية فمثلما يسعى رجل الأمن بكل ما أوتي من قوة لفرض القانون ومحاسبة المقصر غير آبه بما قد يواجهه والذي قد يضطره في كثير من الأحيان إلى التضحية بنفسه فإننا في الوقت ذاته نأمل بمواطن يمتلك هذه الشجاعة شجاعة الحق بما يدعم عمل رجال الأمن والقانون ويساعدهم في توفير بيئة مجتمعية تنعم بسلمٍ أهلي وأمنٍ مستدام
ما يقلقنا ليس فقط صمت الناس عن قول الحق بل انجرار البعض إلى مواقف عامة لا يقتنعون بها لكنهم يدافعون عنها فقط لأنها الرائجة أو لأنها الموجة هذا الانسياق ليس رأيًا بل استقالة فكرية وهو باب مفتوح أمام الخطاب المتطرف والإشاعة والتحريض غير الواعي
نحن اليوم بحاجة إلى ثقافة جديدة في التعامل مع الفضاء الرقمي والمجتمعي ثقافة تحترم الرأي وتسمح بالاختلاف وتشجع على قول الحقيقة فالمواطن الصادق في رأيه هو عنصر أمن حقيقي والإبلاغ عن المخالفة ليس تدخلًا في شؤون الآخرين بل مشاركة مسؤولة في حماية المجتمع
وأخيرًا نقول لكل من يخشى التعبير عن موقفه الصحيح خشية العزلة أو التنمّر لست وحدك فالصمت ليس دائمًا حكمة بل قد يكون تخليًا عن الواجب والمواقف تبني الأوطان فرب كلمة تمنع جريمة ورب كلمة أخرى تُكتم يهدر بها حق مظلوم
*
اضافة التعليق