قمة بغداد .. رسائل عراقية غير مكتملة

بغداد- العراق اليوم:

في لحظة سياسية حساسة تمر بها المنطقة، انعقدت قمة بغداد الأخيرة، وسط غياب لافت لعدد من القادة العرب، واختلاف الأسباب ما بين الانشغالات الرسمية والقرارات السياسية المحسوبة. غياب أثار تساؤلات واسعة حول مصير هذه القمة التي أرادت منها بغداد أن تكون صرخة توازن، ورسالة حياد في عالم عربي تمزقه الاصطفافات والمحاور المتصارعة.

رغم الاستعدادات المكثفة، بقيت القمة محط ترقب حتى صباح السبت، في ظل الشكوك حول حجم المشاركة السياسية الفعلية. 

أرادت بغداد أن ترفع صوتها بما يشبه "النداء الثالث" لدول المنطقة: دعونا ننجو بأنفسنا من معارك الآخرين.

 لكنها في المقابل وجدت نفسها أمام مشهد غير متجانس، تغيب فيه أسماء ثقيلة الوزن، ما أضعف من زخم الحدث وخفف من حدة الرسائل المنتظرة.

القمة العراقية جاءت بعد أيام  من قمة الرياض التي رعاها الرئيس الأميركي  دونالد ترامب، والتي أسفرت كما قيل عن التزام خليجي بضخ ما يقارب ٤ تريليونات دولار في مشاريع تنموية داخل الولايات المتحدة، في لحظة استعراضية حاول فيها ترامب  تثبيت أمريكا كقوة قيادة واستثمار في الشرق الأوسط.

ترامب لم يكتف حينها بالحضور، بل غادر الرياض مصرحا بأن بعض الدول كانت "تتمنى" لو أنه وجه ضربة عسكرية مباشرة لإيران، في تناقض واضح مع موقف أمير قطر الذي بدا أكثر تحفظا وحرصا على تجنب التصعيد العسكري. 

هذا التصريح لم ينس، وظل يخيّم على أجواء أي مبادرة إقليمية لاحقة تحاول رسم خطوط جديدة في الرمال المتحركة للسياسة الشرق أوسطية.

اليوم، تجد بغداد نفسها في مواجهة مباشرة مع تراجع نسبي في نفوذ طهران، وتنامي غير مسبوق في الأصوات الداخلية والخارجية التي تدعوها إلى انتهاج سياسة "النأي بالنفس"، لا سيما عن الصراع الإيراني – الأميركي، وصراع المحاور الذي تمثله طهران والرياض وأبوظبي وأنقرة.

العراق، الذي ظل لسنوات ساحة مواجهة غير مباشرة، يحاول أن يعيد رسم صورته كمنصة حوار لا كساحة تناحر. ولهذا جاءت القمة محاولة لتكريس نهج سياسي يقول للعالم: بغداد لم تعد ممراً للصراعات، بل يمكنها أن تكون بوابة للحلول.

غير أن غياب زعماء مؤثرين في المنطقة عن القمة قد يُضعف من قوتها الدبلوماسية، ويحولها – حتى إشعار آخر – إلى مناسبة خطابية أكثر من كونها منعطفا استراتيجيا حقيقياً.

 فبينما كانت بغداد تأمل أن تُظهر نفسها كجسر عبور بين المتخاصمين، ظهرت الحقيقة القاسية: لا أحد يعبر الجسور ما لم تكن هناك مصالح حقيقية.

هل كانت قمة بغداد خطوة أولى في طريق طويل نحو الحياد؟ أم مجرد استراحة كلامية في مشهد عربي مشتعل؟.

علق هنا