اكتشاف مذهل.. مجرة مظلمة بلا نجوم

بغداد- العراق اليوم:

رصد فريق دولي من علماء الفلك، ما يعتقد أنه أول دليل واضح على وجود "مجرة مظلمة" - بنية كونية غامضة تتكون بالكامل تقريبا من المادة المظلمة، وبلا أي نجوم.

وهذا الاكتشاف المذهل، الذي نشرت تفاصيله في العدد الأخير من مجلة Science Advances، تم باستخدام التلسكوب الراديوي الصيني العملاق "فاست" (FAST)، أحد أكثر التلسكوبات حساسية في العالم.

وتختلف السحابة الغازية الغريبة التي أطلق عليها العلماء اسم AC G185.0–11.5، جذريا عن أي شيء رصد سابقا، فعلى الرغم من أنها تبدو للوهلة الأولى كسحابة غاز عادية، إلا أن تحليل حركتها كشف عن نمط دوراني واضح يشبه تماما حركة المجرات، مع شكل قرصي مميز لا نجمة فيه. والأكثر غرابة هو الغياب التام لأي نجوم أو حتى الغاز الجزيئي الذي عادة ما يكون المادة الخام لتكوين النجوم، ما يجعل هذه البنية الكونية عبارة عن كتلة دوامة من غاز الهيدروجين وحسب.

ويقول البروفيسور ليانغ زاو، أحد قادة الفريق البحثي: "ما رأيناه يشبه تماما مجرة، لكن من دون أي من مكونات المجرة المعتادة. إنه أشبه بشبح مجرة - كل البنية موجودة لكن من دون أي نجوم لتضيئها". وباستخدام قوانين الحركة المجرية وعلاقة تولي-فيشر الشهيرة (Tully–Fisher relation)، وهي مثل "ميزان كوني" يستخدمه الفلكيون لقياس مسافة المجرات البعيدة عنا، عن طريق مراقبة سرعة دورانها ، تمكن الفريق من تقدير بعد هذه السحابة عن الأرض بنحو 278 ألف سنة ضوئية، ما يضعها ضمن ما يعرف بـ"المجموعة المحلية" من المجرات التي تنتمي إليها مجرتنا درب التبانة.

لكن الأهم من ذلك هو تقديرات الكتلة التي تتراوح بين 30 إلى 500 مليون كتلة شمسية - وهي كتلة كافية لاعتبارها مجرة قزمة مستقلة.

وكان السؤال المحير للعلماء هو: ما الذي يمنع هذه الكتلة الهائلة من تكوين النجوم؟. وتوصل الفريق إلى أن الإجابة المقترحة تكمن في المادة المظلمة. ويعتقد العلماء أن هذه السحابة محاطة بهالة ضخمة من المادة المظلمة، وهو ما يفسر تماسكها دون الحاجة إلى النجوم المرئية.

وهذا الاكتشاف قد يحل أخيرا أحد أكثر الألغاز إرباكا في علم الكونيات المعاصر، المعروف باسم "مشكلة المجرات القزمة المفقودة" (Missing Satellite Problem). فالنماذج النظرية لتكوين المجرات تتنبأ بوجود عدد أكبر بكثير من المجرات القزمة حول مجرات كبيرة مثل درب التبانة مما نرصده فعليا. وقد تكون هذه المجرات "المفقودة" في الواقع مجرات مظلمة مثل AC G185.0–11.5، موجودة لكن غير مرئية لأنها لا تحتوي على نجوم.

وتوضح الدكتورة ماريا خيمينيز، عالمة الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والتي لم تشارك في الدراسة: "إذا تأكد هذا الاكتشاف، فسيكون بمثابة الحلقة المفقودة في فهمنا لتوزيع المادة في الكون. قد نكون على وشك اكتشاف أن الكون يحتوي على عدد هائل من هذه المجرات الشبحية التي كنا نغفل عنها طوال هذا الوقت".

ويخطط الفريق الآن لمتابعة هذا الاكتشاف الرائد بمزيد من الملاحظات باستخدام تلسكوبات أخرى، في محاولة لفهم طبيعة هذه البنية الغريبة بشكل أفضل. كما يأملون في العثور على أمثلة أخرى مماثلة، ما قد يفتح فصلا جديدا في علم الفلك يغير بشكل جذري فهمنا لتكوين المجرات وتوزيع المادة المظلمة في الكون.

علق هنا