بغداد- العراق اليوم: بقلم الفريق الركن/ أحمد الساعدي تمر الأيام وتتغير الأحداث، لكن هناك محطات في التاريخ لا تُمحى من ذاكرة الرجال الذين عاشوها وصنعوا أحداثها. في لحظات الشدة يُعرف معدن الرجال الحقيقي، ويظهر من يستحق أن يُقال عنه إنه قائد، لا بالرتبة فقط، بل بالموقف والصمود والثبات. في أصعب الأوقات، عندما كان الوطن يمر بمنعطف خطير، كان الجيش العراقي بحاجة إلى قادة ميدانيين لا يعرفون التردد، رجال حملوا أرواحهم على أكفهم، لم يختبئوا خلف المكاتب، ولم ينتظروا الأوامر من بعيد، بل كانوا في قلب الميدان، يواجهون العدو وجهًا لوجه، يتخذون قراراتهم في لحظتها، ويدركون أن أي خطأ قد يُكلف أرواح آلاف الجنود كانت الأزمة أكبر من مجرد معركة وكانت التنظيمات الإرهابية هي من بيدها المبادأة، تنفذ أعمالها كما تشاء، ومع ذلك واجهناهم في الميدان، طاردناهم في كل زقاق ومحلة وشارع، حملنا أرواحنا على أكفنا، وهنالك من كان يتآمر في الخفاء علينا لأجل كسر إرادة الجيش وزرع الفوضى في صفوفه. لكن في تلك اللحظات، لم يكن هناك وقت للضعف أو التردد، كان المطلوب رجالًا لا تهزهم العواصف، رجالًا يملكون القدرة على المواجهة والصمود مهما كانت التحديات حينها، لم تكن للرتبة العسكرية أو اللقب أهمية بقدر ما كان لنا ضبط إيقاع الأمن وفرض القانون وسط الفوضى التي عصفت بالبلاد. الفارق الوحيد بين الرجال كان الفعل والتأثير على الموقف الأمني برمته، وعرضنا صدورنا لرصاص العدو، في حين كان هناك من يسمون أنفسهم رجالًا، يتحدثون عن انتصارات ومعارك من وحي مخيلتهم، بينما اختفى أغلبهم خلف جدران بيوتهم، يحتسون الشاي مع نسائهم ويطلقون العبارات الجوفاء، يتهكمون علينا، ويصفوننا تارة بالعملاء، وتارة بـ”جيش المالكي”، دون أن يدركوا سر وجودنا في الميدان، ولم يفهموا أننا وقفنا مع وطننا، لا مع الآخرين. قلنا نحن لها، عندما تخلى أشباه الرجال عن نصرة الوطن كنا هناك، رافعين سلاحنا وأرواحنا، نقول: “لبيك يا عراق”، نقاتل حتى آخر رمق، افترشنا الأرض، وسلاحنا على صدورنا، بينما كان غيرنا ينام على فراش وثير، لا يعرف عن المعركة إلا ما تنقله الشاشات. التاريخ سجل الأسماء في كلا الجانبين، من ضحى ومن تفرج. التاريخ لا يُمحى، والحقائق لا تُطمس. واليوم، بعد أن هدأت العاصفة، يحاول البعض طمس تلك الحقائق، يتناسون من كان في الميدان، ويتحدثون بغرور وكأنهم هم من صنعوا النصر، بل يصل بهم الأمر إلى القول: “أنتم مجرد أسماء على الرفوف في المكاتب اليوم”. قف عند حدودك وافهم الحقيقة جيدًا. نحن التاريخ والمجد والعلى، ورؤوس شامخة بالعز والإباء والكبرياء. ربما نحن اليوم خارج المشهد الأمني، لكن عندما يستدعي العراق رجاله، سنكون هناك كما كنا عام ٢٠٠٣، عندما شعرنا أن أمن البلاد في خطر، قلنا: نحن لها، ونكررها اليوم وغدًا. نحن رجال الأزمة والمواقف الصعبة، وملابسنا العسكرية محفوظة، وأسلحتنا قريبة منا، ولن نتخلى عن مبادئنا وعقيدتنا. عن العراق حتى الموت. هنا وُلدنا، وهنا نموت، وهنا نُدفن. لولا نحن، لما كان العراق كما هو اليوم. لا وألف لا، لولا نحن، لما كان العراق بهذا الأمن والاستقرار، لما كانت هذه المكاتب الفخمة، والسيارات الفارهة، والأرتال الطويلة الفارغة من معدن الرجولة، الخانعة الخاضعة. نحن من صنع التاريخ ورفع راية العراق. نحن من تصدّى بقلوب مؤمنة، وصدور عامرة بالإيمان، من أجل عراق جديد يتساوى فيه الجميع. نحن من أزال ذلك العار التاريخي، عندما كان البعض يصفنا بجيش الهزائم استنقاصًا واحتقارًا بنا. وذاكرة الوطن لا تنسى. قصة سنحكيها للأجيال بكل فخر واعتزاز. سيكون حفيدي فخورًا، وسينحني التاريخ أمامه. أنت لم تفهم التاريخ جيدًا، ولم تشعر يومًا بجروح الكرامة. يحاول البعض تزييف التاريخ، يخلطون بين من قاتل بصدق، ومن استغل الأزمة ليصنع لنفسه مجدًا زائفًا. لكن الحقائق لا تُطمس. العزة لنا، ولكم الامتيازات والغنائم.لكن… التاريخ لا ينسى، ويوم كانت أزمة رجال، لم يبقَ إلا الرجال الحقيقيون
*
اضافة التعليق