بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيقة
فالح حسون الدراجي
مخطئ من يظن أن ترامب يشتغل في حقل السياسة، وأنه عضو في الحزب الجمهوري، وغير ذلك من الأوهام والظنون الخنفشارية، فالرجل لا يفهم في السياسة ( طگه) ولا يحبها أصلاً، إنما هو رجل أعمال محتال، وتاجر يعمل في العقارات والفنادق وكازينوهات القمار وعروض المصارعة الحرة، ومسابقات ملكات الجمال وغيرها من أعمال البزنس ( الحرام) التي يربح منها الملايين .. ومثل أي تاجر فاسد، فهو يكذب ويكذب ويكذب حتى يحصل على البضاعة، أو ينقطع نفسه من شدة اليمين و (الحلفان) ! ولأن ترامب بات مشهوراً بالكذب والاحتيال والغش فقد تجمعت لديّ قصص وكتب وشهادات موثقة تعد بالعشرات إن لم أقل المئات عن الأكاذيب التي أطلقها ترامب في مواقف عديدة من حياته وعمله و( كلاواته) . ولكثرة هذه الأكاذيب، فقد صدرت عنها مؤلفات عديدة وكتب كثيرة، من بينها الكتاب الذي أصدره المحامي الامريكي الشهير مايكل كوهين، والذي وصفه بالعبارات الاتية : "ترامب غشاش، كاذب محتال، متنمر، عنصري، لص، مخادع ..". ومما يؤيد ذلك وقوف ترامب امام المحاكم الأمريكية عدة مرات بتهمة الكذب والاحتيال، ناهيك من حجم الأكاذيب التي يطلقها في المناظرات الانتخابية، خاصة مناظرته الأخيرة مع بايدن، التي سخر فيها الأمريكيون من فظاعة أكاذيب ترامب. وبحسب قناة السي أن إن فإن (مؤرخ الرؤساء) الباحث (تيموثي نافتالي)، قال : "لا انكر ان ثمة رؤساء يكذبون، أما ترامب، فهو أول رئيس يكذب بشكل متواصل دون توقف، ويسعى إلى ابتكار قصص بلا أساس ." وعدا هذا وذاك فإن هناك عشرات الشهادات والوقائع التي تفضح شخصية ترامب الكاذبة ! ولعل كذبته الأخيرة حول غزة، تعد الابرز بين أكاذيبه الشنيعة .. فهو تارة يريد (شراء غزة) وامتلاكها بشكل شخصي، وكأن غزة (مطعم فلافل) !! وتارة يريد إدارتها فقط، أي من دون شراء، وتارة يريد إعمارها، وإعادتها لأهلها الغزاويين ، وأخيراً يريد تقطيعها إلى عدة قطع، وتحويلها إلى مجمعات سكنية فاخرة (ديلوكس)، وكازينوهات قمار فخمة، وشاليهات مطلة على البحر، لبيعها لكل من يرغب بشرائها. لكن المضحك المبكي، أن لا أحد يعرف كيف ومِن مَن يشتري ترامب قطاع غزة، أيشتريها من نتنياهو مثلاً، أم من ( أبو مازن)، أم من (قادة حماس)، أم من أردودغان أم من (حمدوغان)؟ كما لا أحد يعرف من سيسكن في غزة المعمرة، إذا لا يعطيها لليهود ولا للفلسطينيين ولا لغيرهم؟ إن مشكلة الرجل تكمن في شراهته الكذبية المفتوحة على مختلف المجالات، فهو يقول كل شيء ويكذب في أي شيء، ولاتهمه النتائج حتى لو جابت له العار والفضيحة !! إن تراجع عن ما وعد به، او لم يتراجع، ومثال على ذلك وعده بإيقاف الحرب الاوكرانية حال وصوله البيت الأبيض، وكأن هذه الحرب الكبيرة، مباراة في المصارعة الحرة، بحيث يستطيع ترامب تقرير نتيجتها متى ما أراد، او إنهائها متى شاء ! إن كذبة إيقاف الحرب الأوكرانية مثلاً، وضم كندا الى امريكا، واحتلال قناة بنما، وجزيرة غرينلاند وغير ذلك من الأكاذيب باتت محل تندر العالم ومحط سخريته.. اليوم سأترك كل أكاذيبه، وأتحدث عن كذبة ترامب وقنبلته الدخانية في الاستيلاء على غزة وتهجير شعبها الفلسطيني تحديداً دون غيرها، لأني أرى في هذه الكذبة (كذباً كبيراً)، فالرجل كما يبدو قد اجتاز بكذبه هذه المرة حدود العقل والمنطق، مما دفعني الى البحث عن الاسباب التي دعته إلى اطلاقها، وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن ترامب يكذب جداً، فهو في الحقيقة لا يسعى لتهجير أهل غزة، ولا يريد الاستيلاء عليها ولا حتى إعمارها واستثمارها، إنما يريد استعمال هذه القضية (بالون) دخان، غرضه تعمية الناظرين وإبعادهم عن قضية (داخلية) معينة، لا يريد أن يراها ويكتشفها احد. وكي لا اتهم بالانحياز ضده، فقد قررت أن انقل لكم مقالاً لكاتب اسرائيلي يهودي، وليس لكاتب عربي او مسلم. يكشف فيه سر كذبة ترامب، واسباب اختياره غزة دون غيرها.. حيث يقول الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال في مقاله المنشور بموقع "واللاه" العبري: " : إن الجميع يتحدث اليوم عن اقتراح دونالد ترامب بشأن الاستيلاء على غزة ونقل 1.8مليون فلسطيني، لكن الحقيقة أن هذا هو بالضبط ما يريده ترامب وهو: تحويل الأنظار عن ما يحدث لديه في واشنطن". ويوضح الكاتب الإسرائيلي " أن كل شيء يسير وفقًا لخطة ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، الذي وصف استراتيجيته الإعلامية بأنها "إطلاق النار بأسرع معدل"، حيث قال: "نظراً لأن وسائل الإعلام تتكون من أشخاص أغبياء، لا يمكنها التركيز إلا على شيء واحد، لذا علينا أن نغرقهم بسيلٍ من الأخبار المثيرة، وسيفقدون السيطرة على ما هو مهم حقًا.. بانج مخدر، ثم بانج مخدر ، وبانج آخر ، ولن يتعافوا". ويتابع الكاتب الإسرائيلي : " لهذا السبب يلقي ترامب بمقترحات غير واقعية كشراء غرينلاند، واحتلال بنما، ونقل الفلسطينيين إليها، لأنه يعلم أن وسائل الإعلام ستنشغل بهذه العناوين، بدلًا من التركيز على التغييرات الجذرية التي تحدث داخل الحكومة الأمريكية. ويشرح " أنه بينما تنشغل وسائل الإعلام بفكرة ترامب لغزة، يجري في واشنطن تفكيك منهجي وسريع للحكومة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية. حيث سيطر إيلون ماسك وفريقه خلال الأسبوعين الماضيين، على أنظمة البيانات المالية الأمريكية، وألغوا بروتوكولات أمنية حساسة وطردوا مسؤولين كباراً، وأغلقوا وكالة حكومية كاملة بميزانية تساوي 0.25% فقط من ثروة ماسك الشخصية. ويوضح أنه في المقابل، لجأت ست وكالات حكومية إلى المحاكم التي أصدرت مذكرات توقيف ضد ماسك وترامب، لكن ذلك لم يوقف خطة الملياردير الطموح، الذي يواصل تفكيك الكثير من المؤسسات الفيدرالية، مدفوعاً بأيديولوجيته الجديدة وسعيه لزيادة سلطته وثروته بطريقة غير مسبوقة". ويحذر الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال من أن أحد أخطر التطورات يتمثل في الهجوم على وكالات الاستخبارات الأمريكية. فقد أرسلت إدارة ترامب رسائل بريد إلكتروني إلى جميع موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، تعرض عليهم التعويض مقابل الاستقالة، في خطوة تهدف إلى إضعاف الأجهزة الأمنية، وقطعاً فإن الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل يطالب ترامب الآن بكشف هويات جميع العملاء الفيدراليين الذين حققوا في أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، مما يعرضهم وعائلاتهم لخطر جسيم، وفقًا لأوامر قضائية تحاول وقف ذلك". ويشير الكاتب إلى أنه " حتى داخل البيت الأبيض نفسه، هناك مسؤولون لا يعلمون ما الذي سيفعله ماسك لاحقاً. فقد نقلت نيويورك تايمز عن مصادر داخلية أن ماسك يتمتع بمستوى من الاستقلالية لا يمكن لأحد السيطرة عليه، وهو ما يجعله الرئيس الفعلي، بينما ترامب يوفر له الغطاء السياسي". ويؤكد داسكال إن : " ما يحدث اليوم في واشنطن ليس مجرد صراع سياسي، بل هو إعادة تشكيل جذرية للحكومة الأمريكية قد تؤثر ليس فقط على مستقبل الولايات المتحدة، ولكن أيضاً على الأمن العالمي، بما في ذلك أمن إسرائيل. ويختم، " أنه إذا كان ترامب وماسك يمضيان في تنفيذ رؤيتهما المتطرفة، فإن العالم سيواجه عصراً جديداً من الفوضى السياسية، حيث تتحكم الشركات الكبرى في الدول، وتُفكك الحكومات لمصلحة القلة الأكثر ثراءً". والآن ما رأيكم بما كشفه الكاتب الاسرائيلي بمقاله ؟ أنا شخصياً أدعم هذا التحليل الذي ستؤيده وتؤكده الأيام القادمة، حيث سينتهي الأمر بتراجع ترامب عن جميع وعوده، وقد يغطي على كذبه وتراجعه بزوبعة اعلامية معينة، أو بلقطة سينمائية هوليودية، و(يعطيك العافية) ، ساعتها سأطالب رسمياً باستبدال تسمية (كذبة نيسان) بـ ( كذبة ترامب) ..!
*
اضافة التعليق