الوضع العراقي في ظل التحديات الإقليمية والدولية: قراءة في التطورات الأخيرة

بغداد- العراق اليوم:

وســــام الخـــزعلــــــي

تشهد الساحة العراقية تطورات متسارعة بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة، والتي تأتي في إطار تغييرات جذرية في المشهد السياسي الإقليمي، خصوصاً بعد التحولات الحاصلة في سوريا. هذه التغيرات تُلقي بظلالها الثقيلة على العراق، الذي يقف في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية، وسط تصاعد التحركات الإيرانية وردود الفعل الدولية حيالها.

**دور المرجعية الدينية والتوجهات الحكومية :

زيارة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى السيد السيستاني تؤكد الأهمية المستمرة لدور المرجعية الدينية في العراق. فالمرجعية دعت بوضوح إلى حصر السلاح بيد الدولة، وضمان الالتزام بمبادئ الدولة العراقية. يأتي هذا بالتزامن مع توجيهات رئيس الوزراء بضرورة فرض القانون وضبط استخدام السلاح، وسط تصاعد الحديث عن المليشيات المسلحة وتأثيرها على الأمن والاستقرار.

**التحدي الأمريكي والضغوط على الحشد الشعبي :

واشنطن تواصل ضغطها على الحكومة العراقية لحل الحشد الشعبي بالكامل، وليس مجرد دمجه في القوات الأمنية. هذا المطلب يثير تساؤلات حول كيفية تعامل الحكومة مع هذا الملف الحساس، لا سيما أن بعض الفصائل المسلحة تعمل خارج إطار الدولة، كما سبق لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أن أشار إلى وجود جماعات لا تتلقى أوامرها من الحكومة.

العراق يجد نفسه في موقف حرج، حيث تسعى حكومته إلى لعب دور محايد في خضم الصراعات الإقليمية والدولية، إلا أن هذا التوجه يصطدم بعدة تحديات.. حيث يشكل  عدم التزام بعض الفصائل المسلحة بالقوانين العراقية عقبة أمام تحقيق سيادة الدولة واستقلال قرارها السياسي ومحاولة الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من إيران وأمريكا، وهو أمر شديد الصعوبة في ظل التصعيد الراهن.

**التهديد الإسرائيلي والتصعيد في المنطقة :

التهديد الإسرائيلي للعراق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يبدو موجهاً بالأساس نحو الفصائل التابعة لإيران. هذا التهديد يعقد المشهد، خاصة أن هناك اتهامات بتجاوز هذه الفصائل سلطة الحكومة المركزية، مما يضع بغداد أمام تحدٍ مزدوج: حفظ سيادتها من جهة، وضبط التوازن في علاقاتها الإقليمية من جهة أخرى.

**الدور الإيراني والتحركات الإقليمية:

إيران تراقب عن كثب التحركات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وتسعى لتثبيت نفوذها عبر حلفائها في العراق واليمن ولبنان. في الوقت نفسه، تحاول الأردن لعب دور محوري في هذه التغيرات، بينما يختلف دور قطر عن الإمارات، حيث تميل الأولى إلى الدبلوماسية والحوار، بينما تعتمد الثانية على دور أكثر تصعيداً بالتنسيق مع واشنطن.

 إيران تجد نفسها أمام موقف صعب، حيث تواجه خسائر متتالية في نفوذها الإقليمي:

1. في سوريا: خسرت حلفائها الأساسيين بسبب التغيرات الميدانية والضربات الإسرائيلية المتكررة.

2. في لبنان: يعاني حليفها "حزب الله" من ضغوط داخلية وخارجية، مما يضعف قبضته.

3. تراجع حماس: العلاقة بين إيران وحماس تأثرت بفعل تغير الأولويات لدى الحركة.

رد إيران: من غير المرجح أن تقف طهران مكتوفة الأيدي. إذ قد تلجأ إلى تعزيز نفوذها في العراق واليمن لتعويض خسائرها في سوريا ولبنان.

**تحركات الإخوان المسلمين في المنطقة:

في ظل التحولات الإقليمية الراهنة، تعود حركة الإخوان المسلمين إلى الواجهة السياسية من خلال تحركاتها المتنوعة التي تسعى إلى إعادة تموضعها في خريطة المنطقة. بالرغم من الضغوط التي تواجهها الجماعة في عدة دول، إلا أنها ما زالت تحاول التأثير عبر أدوات سياسية وإعلامية واقتصادية، مستفيدة من دعم بعض الأطراف الإقليمية.

**الدور القطري والتركي في دعم الإخوان:

تُعد قطر وتركيا أبرز الداعمين للإخوان في المنطقة، حيث تقدمان للجماعة دعماً إعلامياً ولوجستياً وسياسياً. وتسعى هذه الدول إلى استثمار الإخوان كقوة ضغط في الملفات الإقليمية، سواء عبر استغلالهم في النزاعات السياسية أو استخدام خطابهم الديني لخلق تأثير في المجتمعات.

قطر تُظهر حضوراً نشطاً في إدارة الأزمة السورية من خلال علاقاتها القوية مع المعارضة السورية ودعمها لبعض الفصائل. كما يبدو أن الدوحة تعمل كوسيط لإيصال رسائل بين إسرائيل وواشنطن من جهة وبعض القوى في المنطقة من جهة أخرى.

هدف قطر تعزيز دورها كوسيط إقليمي قوي، وضمان توازن مصالحها مع واشنطن وحلفائها الإقليميين.

**توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة :

مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، قد نشهد تصعيداً في الضغط على إيران وحلفائها، مما يضع العراق أمام خيارات صعبة. فالإدارة الأمريكية الجديدة قد تدفع باتجاه تغييرات سياسية وأمنية كبرى في المنطقة، وسيكون للعراق النصيب الأكبر من تداعياتها.

**ختاماً:

الوضع العراقي يتطلب إدارة حكيمة للأزمات الحالية، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية والضغوط الدولية. الحفاظ على سيادة الدولة العراقية، وضمان التزام جميع الأطراف بالعمل ضمن إطار الدولة، سيكون التحدي الأكبر للحكومة خلال المرحلة المقبلة.

و يتطلب من العراق إدارة حذرة للتوازنات الإقليمية والدولية، مع تعزيز سيادة الدولة داخلياً وضمان عدم تحول أراضيه إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.

علق هنا