سرقة .. ام سرقات القرن؟

بغداد- العراق اليوم:

الدكتور جاسم الحلفي

أخيرا تم اعتقال المتهمين الهاربين نمير حنا ورامز حنا في مطار بغداد، اثناء محاولتهما الفرار الى الخارج بعد ادانتهما مع شقيقهما نزار حنا من قبل محكمة جنح الكرخ، بالسجن المشدد 3 سنوات بجريمة النصب والاحتيال وفق المادة 456، بتهمة الاستحواذ على مبلغ 185 مليون دولار من مصرف التجارة العراقي TBI.

وفي تفاصيل جرائم "اولاد حنا" بحق الاقتصاد العراقي، وتربعهم منذ تسعينات القرن الماضي على عرش إمبراطورية مالية مشبوهة مصدرها التهريب، انهم أصحاب تاريخٍ مخزٍ في التلاعب بقوت العراقيين إبان الحصار الاقتصادي الدولي الظالم على العراق، وفي عقد الصفقات الفاسدة والمشاركات المالية مع المقبور عدي صدام حسين، والعمل كإدارة "مافيوية" ذات امتداد دولي لتهريب السكائر، والاحتيال في تجارة الادوية والمضاربات العقارية، والاستحواذ على فنادق سياحية باسم الاستثمار، ونسج العلاقات المشبوهة مع المتنفذين، والنشاط كواجهات اقتصادية للنهّابين.

وبعيدا عن كل هذه العناوين والملفات التي يتطلب كل منها محاكمة خاصة، والتي لو فتح أي منها امام قاضي نزيه وشجاع، لقضوا أعمارهم وراء القضبان ومعهم الشخصيات النافذة التي تقف وراءهم، بعيدا عن ذلك استبشرنا خيرا بصدور قرار الحكم بحقهم، والذي كنا وما زلنا نأمل ان يصدر مثيل له وبأحكام أشد، بحق أفراد عصابة "سرقة القرن"، الذين هربوا من العراق الى بلدان يحملون جنسياتها، بهدف الافلات من محاكمات لا بد ان تكشف تخادمهم مع طغمة الحكم. الطغمة التي يبدو ان بعض شخصياتها متورطة معهم، فيما تدور شبهات حول غيرهم، ومنهم رئيس مجلس الوزراء السابق الذي يتردد انه الفاعل الأساسي في عملية تهريبٍ منظمة لفريقه الخاص، ممن أشار اليهم بيان النزاهة ضمنا دون ذكر أسماءهم.

حينما يمر شريط الذكريات امام اعيننا، ونسترجع التصريحات الصادرة عنا والنداءات الشعبية وبيانات الناشطين، التي ألحّت في المطالبة باتخاذ إجراءات فورية ضد كبار المتهمين في تلك الجريمة الصارخة، وبضرورة اعتقالهم احترازا، نستحضر عدم الاستجابة مع الاسف لتلك المطالبات. ويتأكد لنا ان عدم اتخاذ الإجراءات السريعة الحازمة كان قرارا غير رسمي اتخذ في ليل، بهدف المماطلة والتسويف في ملاحقة المجرمين، ولضمان وصولهم الى بلدان تحميهم من الملاحقات القانونية. لهذا ننظر بشك الى ما اعلن عن قرار استعادتهم الى العراق ومحاكمتهم محاكمات علنية، وعدم الاكتفاء بإصدار إشارات حمراء بحق المتهمين الأربعة، حتى تيقننا من صدقية ذلك القرار.

ان من غير الممكن لعقل ان يتصور ان جريمة معقدة طويلة الأمد ومنظمة تنظيما عالي المستوى، وتمت خلالها سحوبات نقدية غير مشروعة من الهيئة العامة للضرائب في مجرى عامي 2021 و2022 بلغ مجموعها حوالي 2.5 مليار دولار، قد نفذها خمسة فقط : نور زهير وعلي علاوي وزير المالية السابق، ورائد جوحي رئيس المخابرات السابق، واحمد نجاتي السكرتير الخاص لرئيس الوزراء، ومشرق عباس المستشار السياسي. فلا بد ان هناك شخصيات نافذة أخرى شاركت معهم. كما ان السرقة نسقت كما يشاع على مستوى عالٍ في مكتب رئيس الوزراء وبعلمه، واذا افترضنا عدم علمه وانه تم استغفاله، فان القانون لا يحمي المغفلين.

ويقينا ان جريمة بهذا الحجم، لم يُجرّم حتى الآن أحد من مرتكبيها، قد شجعت مجرمين اخرين على الاستمرار والتمادي في نهب المال العام، وان "أولاد حنا" ليسوا غير إنموذج فاقع منهم، وهناك مثلهم العديد من اللصوص الذين لم يكشف عنهم حتى الآن.

علق هنا