رسالة خاصة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.. عليك الاستعانة بهؤلاء يا دولة الرئيس!

بغداد- العراق اليوم:

في معرض حديثه عن الحقوق المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ان للحاكم على رعيته حقاً واحداً، وهو برأينا من اهم الحقوق وأقواها وأفضلها، فالحاكم يجب ان يسمع من رعيته او شعبه، او أمته، سمها ما شئت، فالنصيحة، هي السر الاعظم الناظم لشكل العلاقة بينهما، وهي الأساس الذي تبنى عليه قيم ومبادئ الحكم الرشيد، فصلاح الحاكم واستقامته ونزاهته وعدالته، إنما هي جزء من مسؤوليات الأمة قبل ان تكون مسؤولية ذاتية للحاكم نفسه، فحين تنكص الأمة وتتراجع عن اداء دورها في إيصال الكلمة، وابداء الرأي والتعبير عن مطالبها، سيتمدد الحاكم الى مساحات ليست له، وسينفرد في تشخيص الأمور وسيقود بمعزل عن إرادة الناس، وقد ينتهي به الأمر الى دكتاتورية مطلقة أو فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر، فحق الحاكم كما يقول الإمام زين العابدين "أَنْ تُخلِصَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَأَنْ لا تُمَاحِكَهُ".

واذا كان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد نجح في تشكيل حكومة جديدة بظروف معقدة وصعبة للغاية، وقد مر من ذات الطريق الذي مر به من سبقوه الى هذا الموقع، ففرضت المحاصصة الحزبية الضيقة نفسها عليه، وحلت ضيفاً ثقيلاً في مجلسه الوزاري، فدفعت له بوجوه ليس لها باع طويل في الإدارة والعمل الحكومي المتقن، وقد ذكرنا ذلك في مقال لنا بعد ساعات من اعلان اسماء هذه الحكومة، ولكن هذ لا يعني أن يستسلم الرئيس محمد شياع السوداني بهذا الضاغط، ويستخدمه كما استخدمه غيره، شماعة لتعليق اي اخفاق وتبرير اي فشل قادم لا سمح الله، بل عليه ان يحول هذه المحطة الصعبة، وهذا التحدي الكبير الى نقطة نجاح حقيقي، فهو قادر على ان يستعين بكل كادر وطني، وكل خبرة مهنية، وان يضع كل من له القدرة على العمل الوطني ومن يقدم العام على الخاص، ومن يرضى ان يكون جزءاً من عملية بناء الدولة دون أثمان معينة ، وهؤلاء كثر وموجودون، ينتظرون اي إشارة منه لينخرطوا في إستعادة الدولة، ويشرعوا في وضع خبراتهم سواء في قطاع النفط - وهو الأهم-  او في الاقتصاد او الزراعة او الأمن او السياسية او المال او مكافحة الفساد او اي قطاع آخر يريد السوداني ان يخوض فيه غمار المواجهة الشاملة، وان يكنس عن وجه مؤسسات الدولة هذه الطبقة الثقيلة من البيروقراطية الفاشلة، وان يحررها من التركة، ويزيح عن جسد الدولة كل الكائنات الطفيلية التي نمت وتكاثرت وصارت تمتص قوت الناس، وتبدد ثروات البلاد وتنهب خيرات العباد بلا حق.

ان الاستعانة بالخبرات الوطنية التي عملت طويلاً في القطاعات المختلفة، ليس بدعاً من القول، بل هو سياق معمول به في اغلب دول العالم، بل ان نظام صدام حسين، وهو نظام فاشي وجاهل وفاسد أيضاً، لكنه كان يستعين بالخبراء في إدارة وزارات الدولة حتى وان تولاها احد اخوة صدام، او  اصهاره او ابناء عمومته، الذين يمتازون بالجهل والتخلف العقلي والفكري، لكنه كان يضعهم لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي، او ضمان الولاءات الشخصية، ومع ذلك فأنه كان يحيط نفسه بمن لديه خبرة وكفاءة عالية في ديوان الرئاسة او دوائر صنع القرار ، فمن غير المعقول ان يستطيع شخص مثل حسين كامل ان يدير وزارة تخصصية مثل وزارة النفط او التصنيع العسكري، لكن صدام كان يضع الخبراء في موضع التنفيذ واتخاذ الإجراءات اللازمة لتشغيل هذه القطاعات وادامتها.

ان على الرئيس محمد شياع السوداني ان يذهب الى إحاطة نفسه بخبرات وكفاءات وطنية شاملة وان لا يفرط بهذه الفرصة الذهبية المتاحة أمامه لإصلاح ما فسد وتقويم ما أعوج واستعادة ما فقد، وتعديل ما وجد، فالأمور وصلت لحافات خطرة، وان الصدمات ستكون تسونامي كارثياً ان لم تجد من يفتتها ويفككها، ويعيد تركيب هياكل الدولة بطريقة عصرية حديثة وان يجهز على أسس التخلف العميق التي أوغلت تخريبا وتدميرا في مؤسسات الدولة.

انها دعوة صادقة ومفتوحة للسوداني ان يضع برنامجاً واضحا لينجز ما وعد الشعب به.

ختاما نذكر بقول شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري في قصيدته المشهورة :

ستَبقى طويلاً هذه الأزمات

إذا لم تُقصِّرْ عُمرَها الصدَّمَاتُ

إذا لم يَنَلْها مُصلحونَ بواسل

 جريئونَ فيما يَدَّعونَ كُفاة

علق هنا