مشروع الكاظمي وفلسفة إعادة بناء الاقتصاد.. رؤية حديثة لدولة متعددة الموارد

بغداد- العراق اليوم:

لم تفلسف الحكومات التي أتت بعد انهيار نظام البعث الصدامي في 2003، الاقتصاد الوطني العراقي، بل عمدت الى تشويه الصورة الاقتصادية وتضبيب المشهد بالكامل، وقد أنتهى الأمر بسيطرة "الفوضى اللا خلاقة" على مجريات الأمور، فلم يعد الاقتصاد، اشتراكياً كما هو المعمول به، ولم يتحول الى رأسمالي على الطراز الغربي، ولم يختط لنفسه نهجاً واضحاً، بل أصبح كتلة هلامية تتحرك فيها طفليات الفساد التي نمت وتكاثرت في تسعينات القرن الماضي، لتتحول الى مافيات هائلة بعد 2003، اذ ساهمت زيادة الإيرادات المالية المتأتية من النفط في نمو اقتصادي فقاعي وهمي، سرعان ما تبخر مع اول انخفاض بالأسعار العالمية للنفط الخام.

وهكذا رهنت القوى السياسية المتحكمة في المشهد الحكومي، إقتصادنا بالريع النفطي، وأصيب العراق بالمرض الهولندي، وبقي يعاني من تداعيات انحسار الموارد الأخرى الساندة، مع هيكلة القطاعات الصناعية والزراعية والإنتاجية الأخرى، وتضخم الجهاز البيروقراطي للدولة الى حد أن حولٌ الدولة برمتها لمؤسسة ضمان اجتماعي، تدفع ايرادات النفط المحدودة على شكل رواتب وهبات لأكثر من عشرة ملايين مواطن يتقاضون اجوراً بشتى الطرق من الدولة، دون ان تتحرك القطاعات الإنتاجية قدماً.

ازاء هذه اللعنة التي أصابت الاقتصاد الوطني العراقي، الذي عرف عنه في خمسينات القرن الماضي، أي قبل اكتشاف النفط وتصديره، أنه اقتصاد زراعي منتج، وكان العراق يحتل مراكز متقدمة في تصدير منتجات زراعية متعددة، لكنه أصبح مستهلكاً لكل السلع، حتى مع وجود نسب بطالة عالية جداً.

لذا رأينا استنزافاً لموارد الدولة بشكل غير معقول، ووصل الأمر الى عجز نظام المدفوعات عن تأمين رواتب هذه الكم الهائل من المواطنين، مما عنى فيما عنى انهيار النظام السياسي برمته.

ازاء هذا الموقف المحرج، أتت حكومة الكاظمي وهي تطرح فلسفة واضحة جداً، لتخليص الاقتصاد الوطني من الأحادية المشؤومة المعتمدة على الموارد النفطية الشحيحة قياساً بالزيادة الهائلة في العدد السكاني وحاجات البلاد المتفاقمة ونقص الخدمات الحاد.

لذا كانت ورقة الكاظمي المسماة بالورقة البيضاء، هي أول خارطة طريق تعتمدها حكومة وطنية عراقية لبناء اقتصاد حيوي متعدد الموارد، وقادر على تحريك العجلة الانتاجية، ولعل إصلاحات الكاظمي التي بدأها في هذا القطاع كانت عديدة، وجاءت بهدوء، دون أن تثير الكثير من المشاكل الاجتماعية، فأي اصلاحات عاصفة قد تحول الأمر الى ضده، وينتهي البلد للغرق في فوضى اضافية.

أن وجود الكاظمي على رأس السلطة التنفيذية في العراق، ساهم بشكل واضح في البدء بمعالجات وطنية للاقتصاد، وتأسيس مبادرات خلاقة فعلاً، ومنها صندوق الأجيال الذي شرع الرجل بتأسيسه، وطرحه لخطط خمسية وعشرية لبناء القطاعات المتوازية في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار العقاري والنقل وغيرها من القطاعات الأخرى.

هذه المشاريع الحيوية والستراتيجية بحاجة ماسة الى ان يكمل الرجل المهمة، ويواصل السير دون انقطاع على الاقل لدورة حكومية كاملة ومستقرة، وسنرى نتائج مبهرة حقاً.

علق هنا