الكاظمي ينسى الجيش والشرطة والموازنة والكاتيوشا والكورونا وموعد الانتخابات ويتذكر أمهاتنا الصابرات فيجثو في عيدهن عند أقدامهن المقدسة

بغداد- العراق اليوم:

حيث تقفُ الأمُ العراقية، إجلس حيث انت بالقربِ من  يِديها الكريمتين مقبلًا، وحين تجلس هي، فعليكَ ان تجثو على ركبتيك، فأنت في حضرة الطهر والسمو، والمحبة الخالصة، ومشاعر الحنان وصدى الحب العميق، بهذا يمكنني أن أصف هذه الصورة غير المألوفة.

نعم، هكذا يمكننا ان نصف هذه الصورة التي جمعت بين رجل ينوء بحمل ثقيل، ويمضي ايامه المحملة بمتاعب بلاد لا تهدأ، وتحاصر بلاده وحوش وكواسر فتاكة، فيعود الى الأم المخذولة بنسيان قاتل، فيجثو امامها الرئيس بكامل رئاسته، وينحني لها الحاكم بجلالة حكمه، ويتقربُ منها ليستنشق عبق الرحمة، فتتواشج المشاعر المتدفقة صدقًا، لم نلحظه، ومحبةً تصوغها هذه الأم قلادةً، لتضعها في عنق كل من يتقربُ من عالمها الملائكي.

أمسِ، كتب الكاظمي واحدة من أعظم حكايات تقديس الأم في بلاد ما بين النهرين، حيث اقترب من حنايا هذه الأم، وهو يقول لأمهات العراق المعذبات: كم هو محتاجُ هذا الوطن، لأذرعكنً الوديعة كي يستقر، ويغادر فضائه هؤلاء القتلة المارقون، كم هو بحاجة الى أن يعيد الجميع اعتباركن، كي تهطل سماؤه الملبدة، عشقاً واخلاصاً من أجل روح هذا الأنسان التائه منذ أمد في عذابات حروب لا تنتهي ولا يمكن ان تنتهي.

عاد الكاظمي بالأمس الى حضن الأمومة، بكل اعتبارها وقداستها، فكتبت هي قصيدة أخرى، لتتلو على جراح بلد لا تندمل الا بالمحبة وصفةً وتعويذة هائلة من الجمال والحب.. نعم، تبرك الرجل الصبور بحضرة المرأة الصابرة أو الأم الجبل، فنال من بركاتها الكثير، وعادت هي لتبادلهُ دعوات خالصة للسماء، فيما يجثو هو امامها سامعاً تلك النداءات القلبية لأم تخاطب العراق، كل العراق، كأبن لها فتقول لهذا العراق الجريح،  مثلما  تقول الشاعرة التشيلية غابرييلا مسترال في قصيدتها، الأمُّ الحزينة:

"نَم يا حبيبي، نَم

دون خوفٍ.. دونما قلقٍ

رغمَ أنَّ الروحَ مني لا تنام

رغمَ أنني لا أستريح.

نَم، نَم، وفي هذا الليلِ

لتكن همساتُكَ أنعمَ

من وريقةِ عشبٍ

أو جَزَّةِ حَمَلٍ كالحرير.

ليتَ جسدي يهجعُ فيكَ

وجزَعي وارتعاشي

ليتَ عينيَّ تُغمضانِ بداخلك

ويرقدُ فيكَ قلبي".

نعم، كل أمهات العراق حزينات بالفعل، وكلهن يريدن أن ينام هذا البلد الصاخبِ دون خوفٍ أو دونما قلقِ، فهل يا ترى، أن همسة تلك المرأة الموجوعة حد الأسى في أذن الكاظمي كانت مثل همسة الشاعرة غابرييلا في أذن تشيلي المجروحة بسكاكين (البينوشيتين) القتلة..؟

وهل همس الكاظمي في سره مردداً ذات الكلمات وذات الجرس الموسيقي: لا تخافي يا أمي ستنام البلاد بأمن، ما دمنا عيوناً لا تغفو.. يا أمي الحبيبة.

علق هنا