التجاوب لا الإعتقال ما يرنو اليه المحتجون

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي

لم يكن توقف الإحتجاجات التي إنطلقت في الأيام الفائتة في الناصرية إلا مؤقتا، بعد أن وصلت ذروتها يوم الجمعة الثامن من هذا الشهر، مطالبة بالكف عن ملاحقة المتظاهرين السلميين غداة حملات المداهمة لبيوت الناشطين التي شهدتها المحافظة، وتعرض بعضها الى التفجير.  

وقد ولد هذا مرارات لدى الناشطين. فبدلا من محاكمة قتلة شهداء الانتفاضة، تجري امام انظار الرأي العام العراقي والعالمي هذه الحملات المرفوضة، التي تزيد من توتر الأوضاع ومن تعقدها وتشابكها. حيث جوبهت الإحتجاجات بإطلاق رصاص غير مقبول، وبقمع مرفوض وتصعيد للعنف غير مبرر، خاصة وأن العنف الذي تم إستخدامه في قمع إنتفاضة تشرين والذي خلف المئات من الشهداء، لم يحدّ من تصاعدها بل شكل أحد عوامل إدامتها.

وقد أسفر هذا الذي شهدته الناصرية عن اشتداد القلق ازاء تدهور أوضاع المحافظة المتوترة أصلا، والتي لا تحتاج الى عوامل توتر إضافية. عوامل كادت تضعها على شفى تصعيد خطير، لولا تدخل أحد الوية الجيش بقيادة أحد الضابط الشجعان، الذي بادر الى التصدي للعنف ووضع حد له، وإستطاع بذلك نزع فتيل كان يمكن ان ينتج عن اشتعاله وقوع ضحايا كثر. وكانت مبادرته باسلة وذكية، نالت استحسان المتظاهرين الذين أيدوها وهتفوا للجيش مبدين الاستعداد للتعاون معه.

قد تتمكن القوات الأمنية باستخدام أساليب القوة والبطش والترويع من فضّ إحتجاج سلمي، إعتصاما كان او تظاهرة. لكنها غير قادرة على إنهاء حركة الاحتجاج عامة. وهذا هو أول درس من دروس الحركة الاجتماعية، حينما تتبنى مطالب وطنية وشعبية تتعلق بالكرامة الوطنية والكرامة الإنسانية. لكن هذا الدرس الواضح لم يتم كما يبدو إستيعابه من قبل قوى النظام السياسي في العراق. ويتضح أن العقلية التي تتعامل مع ملف الإحتجاجات لا تزال قاصرة في فهم إبعاد حركة الإحتجاج وخصائصها.

ان مواجهة الاحتجاجات بالعنف والإرهاب والتخويف هو أسلوب لا يؤدي الا الى المزيد من الخسائر والتوتر، ومن تعميق فجوة عدم الثقة بالسلطة السياسية. فالحل العنفي هو ما يلجأ اليه المستبدون لتثبت اركان حكمهم مستخدمين إرهاب السلطة، وهو حل لا يدرك أسباب الاحتجاج وعوامله.

أمام حملات إعتقالات الناشطين السلميين ومداهمة بيوتهم، يبدو أن هناك حاجة لتأكيد الحق الدستوري بالتظاهر السلمي. وإن واجب القوات الأمنية تأمين الاحتجاج وحماية المحتجين، الذين لهم مطالب مشروعة، لم ينكرها عليهم أحد.

المتوقع هو إستمرار الإحتجاجات وإحتمال تجددها في أي لحظة، خاصة وأن المحتجين لم يبصروا أملا لتحقيق مطالبهم، سوى الوعود التي بقت مجرد كلام ليس له أي إنعكاس في الواقع.

 

علق هنا