قصة حي المنصور من الألف الى الياء.. ولماذا أسس نوري السعيد نادي المنصور، وما سبب الخلافات بينه وبين نادي العلوية في بغداد؟!

بغداد- العراق اليوم:

سيف الدين الالوسي

أسس الباشا نوري السعيد مجلس اعمار العراق، واول اولوياته توسيع بغداد وبناء احياءعصرية ومعالم عمرانية تجعل من بغداد من ضمن العواصم الراقيةعالميا انذاك، ومن ضمن هذه الخطة بناء حي سمي بالمنصور.

العودة الى بداية نشوء مدينة المنصور , فقد تم شراء مساحات من الاراضي الزراعية من أصحابها في تلك الفترة وفي ذلك الموقع ,, ومن قبل شركة المنصور المساهمة ,, وكان قد بوشر ببناء حي دراغ  بعد فرز الأراضي التابعة الى عائلة ال دراغ الكريمة ,, وليبنى حيا نموذجيا في ذلك الوقت , سمي بحي دراغ .

كان قسم من أراضي المنصور الحالية قد وزع على موظفي بنك الرافدين الأهلي, وقسم منها للأطباء ,, ووزارة التربية ,, وللمهندسين ,, وقد سمي حي المهندسين لحد الان ,, وكان يسمى شارع رسام سابقا .

بدأت شركة المنصور وضع التصاميم التخطيطية , لهذه المدينة الناشئة ,, وأنشأت ميدانا لسباق الخيل كان الرائد في المنطقة في زمانه ,, وكانت حظائر الخيول في الموقع الذي أنشأت فيه الأسواق المركزية حاليا .

كذلك تم أنشاء نادي أجتماعي ثقافي عراقي بأمتياز , وبأيعاز مباشر من المرحومين عبد اله ونوري السعيد ,, وذلك سنة 1952 سمي نادي المنصور نكاية بنادي العلوية المؤسس من قبل الأنكليز .

تتميز مدينة المنصور في بداياتها ,, بوجود سواقي كثيرة تمتد بموازاة شوارعها ,,وكانت تأخذ مياهها من نهر الخر ,,كذلك كانت تتميز بوجود مساحات خضراء منسقة ,, تحتوي على أشجار اليوكالبتوس والدفلة والأياس ,, على جوانب شوارعها ,, وفي الجزر الوسطية والتقاطعات . ( كان نقيق الضفادع هو الصوت المميز الجميل ,, ولكن حتى الضفادع هجت وهاجرت ) .  

من أول المساكن التي بنيت في المنصور ,, دارين كبيرتان , وليست قصور كما يشاع ,  واحدة لسكن المرحومات الأميرات شقيقات الوصي عبد اله رحمه الله , والأخرى لسكن شقيقته الأخرى المتزوجة وعائلتها .

سمي الشارع الموازي للدارين بشارع الأميرات ولحد اليوم ,, الشارع هذا مواز لسباق الخيل من جهة الشرق ,,أما من جهة الغرب لساحة السباق,, فكان شارع  أخر موازي , ضم مداخل السباق ومداخل نادي المنصور المطلة حدائقه على ساحة السباق مباشرة ,,,

أحتوى نادي المنصور على ملاعب للتنس , مسبح ,وشقق سكنية معدودة للسكن ,قاعة سينما ,مطعم ,بار , سينما صيفية ,وقاعات للجلوس ,وقاعة صغيرة للعب البريدج ,  وكان هنالك ملعب للغولف في وسط  ميدان السباق .(محل هيكل الجامع حاليا ) ...  زرعت المساحات المتبقية من ميدان السباق بمحصول الخس .

البداية في أعمار المنصور , وبعد أنشاء السباق والنادي ,, كان أنشاء عمارة سكنية من عدة طوابق , تحتوي على عدد لا بأس به للأيجار ,,  وعلى أسواق تعتبر متطورة جدا في ذلك الوقت ولوندري ومركز للبريد في الطابق الأرضي ... كذلك تم أنشاء مركز للشرطة في نفس الموقع .

كان سعر المتر المربع المعروض يتراوح بين نصف دينار ودينار وحسب القطعة ،كانت مساحات قطع الأراضي تتراوح ما بين , الألفي متر والخمسمائة متر ...وحسب التصميم المعد ...

كان يفصل مدينة المنصور عن مدينة المأمون ,, شارع عام هو الشارع الذاهب الى مدن الفلوجة والرمادي ,,,  شارع السفارات حاليا كما يسمى ,,,,  بنيت مدينة المأمون الحالية قبل المنصور وقد وزعت أراضيها لموظفي الدولة .

بدأ العمران وتشييد الدور في حي المنصور ,  والمناطق المحيطة به , كأسكان غربي بغداد , والدور السود , ومدينة الوشاش , والداوودي , في منتصف الخمسينيات وأستمر الى نهاية الستينيات ..

شقت الشوارع المبلطة , وأنجزت بقية الخدمات كالماء والكهرباء ,, ألا خدمة واحدة بقيت مشكلة الى منتصف السبعينيات ,, وهي مشكلة مجاري الأمطار والمياه الثقيلة ,, والسبب أرتفاع المياه الجوفية في تلك المنطقة ,,  مما سبب مشاكل لسكان تلك المناطق ,,,  تم حل هذه المشكلة , بواسطة السيارات الحوضية ( معظمها كان من نوع بيد فورد ) البريطانية .

بدأت تفتح في مدينة المنصور عدد من الأسواق كانت أبرزها أسواق اليرموك ,  وكانت في الطابق الأرضي من عمارة المنصور كانت  هذه الأسواق تبيع أفخر أنواع السكائر والسيكار , والمشروبات , واللحوم ,وغيرها , أي سوبر ماركت ,في مستوى ما هو الان, ولكن بمساحة أصغر,كذلك أفتتحت أسواق رسام ,في حي المهندسين وهي تابعة لعائلة منتجات نبيل المشهورة الان في الأردن حسب ما سمعت ,,,لحقها في بداية الستينيات أسواق النجاة وفي نفس الشارع ,,كذلك كانت أسواق عبد الله الدليمي  في مدخل الشارع الذاهب الى الطوايل سابقا ,,وأفتتحت بعدها عدد من المحلات الأخرى داخل الأفرع , منها أسواق الشيخلي للمرحوم أحمد وهيب الشيخلي مختار المنصور السابق ,,, ومحل سنحاريب في الشوارع القريبة من طوايل الخيل ,,, وأسواق عكاظ في سوق عكاظ , وغيرها من الأسواق والمحلات ,,  

كذلك أفتتحت عدد من الأفران والمخابز كانت أشهرها أسواق وأفران غسان الحديثة في حي دراغ ,,, وأفران الرافدين , .. كما أفتتحت بعض الخدمات الأخرى ومن أقدمها مكوى المنصور في شارع رسام للمرحوم السيد أبو محمود  .... وكذلك عدد من صالونات الحلاقة ومن أهمها توكالون في منتصف الستينيات ..

سيرت ثلاثة خطوط لمصلحة نقل الركاب لخدمة مناطق المنصور .. كان أولها خط 30 ويربط الباب الشرقي بالمنصور ,, وكان يدخل من شارع رسام مقابل كباب نينوى حاليا ,, وقبل تبليط شارع 14 رمضان ,,, ومن ثم الى الشارع الذي في ظهر ثانوية بغداد للبنات ,, لتنتهي المحطة في نهاية الشارع جنب نادي الصيد حاليا ,,  ثم يبدأ بالمسير في شارع نادي المنصور والسباق, الى شارع المنصور الرئيسي, ومن ثم تكملة المسير عبر علاوي الحلة ..فجسر الأحرار , فشارع الرشيد , فالباب الشرقي, حيث نهاية المحطة قرب سينما غرناطة .

أما الخط الثاني فكان رقم 50 , وكان يخدم منطقة حي دراغ فقط ويربطها بساحة الشهداء في الكرخ ,, بدلت باصاته, بباصات من نوع نصر مصرية بعد سنة 1963 .

الخط الثالث وهو 57 ,فقد أفتتح بعد تبليط شارع 14 رمضان أوائل الستينيات , ويربط نهاية الشارع من جهة المأمون , بالميدان ,,,,وهكذا ربطت المنصور ,بالباب الشرقي والكرخ والميدان (باب المعظم) , بالمواصلات السهلة والرخيصة ،كانت أجرة الباص خمسة عشر فلسا للدرجة الأولى ( الكراسي الجلدية الأمامية )، وعشرة فلوس للدرجة الثانية ( الكراسي الخشبية الخلفية ) ,, وفي الباصات الأنكليزية ( أي سي ).

كانت الباصات تشغل من قبل طاقم متكامل ,السائق , الجابي ,  والمفتش الذي يراقب الوقت والألتزام فيه ,, والركاب ممن لا يحملون البطاقات ,,, كان الوقت والالتزام به مهم جدا لباصات المصلحة ,,حيث كانت أوقات الوصول محسوبة بدقة , وكل نصف ساعة أو ساعة ,, ولأعتماد الموظفين والطلاب عليها ....  كان المفتش ذو هيبة عندما يصعد فجأة ,, ومن أي منطقة يختارها ,,, حيث ترى الركاب يسارعون الى أظهار بطاقاتهم اليه للتأكد منها ,,, كان هنالك  زي موحد للطاقم محترم ,,,,وقطعة معلقة في الباص تقول ( ساعد الجابي بأقل نقد كافي ).

أفتتحت عدة مدارس حكومية وأهلية في المنصور , كانت أولها مدرسة دجلة النموذجية سنة 1956 ,, ومن ثم ثانوية بغداد الأميركية للبنات ,,,ومدرسة المنصور التأسيسية الأهلية ,,ومدارس أخرى حكومية في الستينيات , مثل خولة بنت الأزور , ,و14 رمضان للبنات ,, والرسالة ,, والكفاح العربي , وميسلون ,,,والناصر,ومتوسطة المنصور للبنين وغيرها ......

بدأ الأعمار يتسارع في مدينة المنصور والأحياء المحيطة بها , ومنذ نهاية الخمسينيات والى نهاية الستينيات , حيث بنيت وتكاملت أحياء الداوودي وأفتتح شارع 14 رمضان , وشارع أبو جعفر المنصور , وغيرها , وكانت تصاميم الشوارع ذات الأربع  ممرات ( أي الأربعة شوارع ) , كشارع 14 رمضان في منطقة الأسكان , وشارع أبو جعفر المنصور , والأربع شوارع في اليرموك وزيونة تجربة جديدة في الشرق الاوسط ,لم أرى شبيها لها ألا مؤخرا  في ضواحي المدن الأميركية الحديثة , مما يدل على التقدم الهندسي للتخطيط العمراني في ذلك الوقت , أي وقت مجلس الأعمار ورصانة المكاتب الأستشارية أنذاك .

وقد خططت ضواحي أخرى في بغداد مؤخرا , لم تكن بمستوى ذلك التخطيط الجميل , مثل العامرية والغزالية والكفاءات والجهاد وغيرها .

لوجود معرض بغداد في المنصور , فقد تم توسيع الشوارع المؤدية لها , لأستيعاب الزخم المروري أيام المعرض ,تكامل النسيج البنائي والحضري لمدينة المنصور والاحياء المحيطة بها في منتصف الستينيات , حيث ترابطت أحياء المنصور, وحي دراغ , والداوودي , والخارجية, والمأمون, والحي العربي, ودور السود, وحي الخطوط, وصولا الى أسكان غربي  شمالا , واليرموك والداخلية جنوبا , وحي الري والقضاة وحي الجامعة والعدل غربا , ومطار المثنى والزوراء شرقا .

 بذكر التكامل الحضري والسكاني , كان كل سكان هذه المناطق كعائلة كبيرة واحدة , لم يسأل أحدا جاره عن قوميته أو دينه أو مذهبه,تنامى هذا الشعور وبين كل الأجيال المتلاحقة والى يومنا هذا .......

في متن الموضوع ورد  ذكر  باص المصلحة أو باص "الأمانة" -كما كنا نطلق عليه- نسبة الى امانة العاصمة  أنه كان يحمل في داخله لوحة معلقة كتب عليها عبارة "ساعد الجابي بأقل نقد كافي " وكان للمرحوم دكتور مصطفى جواد في تلك الايام برنامج يُبث من اذاعة بغداد اسمه قل ولا تقل  صحح به هذه العبارة  وقال : " قل ساعد الجابي باصغر نقد كافي ولا تقل باقل نقد كافي . فياض

علق هنا