سعد الاوسي يروي حكايته مع الخنجر !!

بغداد- العراق اليوم:

تلقى ( العراق اليوم) هذه المقالة من الزميل الإعلامي سعد الآوسي ننشرها كما وردت دون حذف أو اضافة..

.......................................................................................

حكايتي مع الخنجر !!

سعد الاوسي

في ايام المراهقة الاولى وبين اوهام القوة وعنتريات الفتوة اهدى لي احد اصدقاء السوء ( وهم كثر ) خنجراً صغيراً بمقبض خشبي قديم مكسور وملصوق الاجزاء بشريط أسود من الذي يستعمل في الاسلاك الكهربائية  "يعني تيب" !!

كان نصل الخنجر الصدئ لا يتجاوز طوله 8 سنتمترات ،  أي انه لا يقوى حتى على جرح "بزونه" ، وهو اعمى من حديه ، حتى انه لم يفلح ان يخدش كفي  وانا امرره بقوة بقصد ان احدث جرحاً صغيراً كدليل على قوتي وشدة تحملي . قال لي صاحبي عندما قرأ الخيبة على وجهي من خنجره التافه هذا :

يمكن يحتاج ان تحده، لانه مضموم من زمان ومحد استعمله صار سنين، بس ابوية كان خاصي بيه المنطقة كلها من كان شباب!

حاولت ان اصدق كذبة صديق السوء هذا، فقررت ان اذهب بالخنجر الى محل حدادة السكاكين في اخر سوق المحلة كي اعيد له بعض قوته وشبابه وهيبته ،  واخصي به على الاقل نص المنطقة مثل ماكان ابو صاحبي يفعل في شبابه بكل المنطقة!

 نظر اليّ حداد السكاكين ثم رمق الخنجر بنصف نظرة ، ربما محتقراً او مستصغراً لكنني لم ارد ان اصدق ذلك الازدراء البادي على وجهه ، لأنني بدأت ارى في الخنجر اخاً وصاحباً (وعزوةً) سيعينني حين احتاج اليه ، وقد انتبهت الى ان الدكان  شبه خال، واغراضه يعلوها الغبار مما يوحي انه لم ير زبوناً منذ اسابيع، لذلك اراد ان يستغل جهلي وقلة خبرتي كمراهق في اجرة شحذ الخنجر، واعادته الى بريق شبابه ، قال لي دون ان ينظر في وجهي :

هذا يكلفك ربع دينار !!!

الملعون كأنه عرف ما في جيبي بالضبط ، كان الربع دينار في حينه ( اله حوبه ويعور) فأجبته مستنكراً ومساوماً :

 عمي شدعوه ربع دينار هو الخنجر يسواله ربع دينار ؟

فأجابني :

اذا تعرفه ما يسوى ربع دينار ليش جايبه وجاي يلا اخذ خنجرك وروح . كان رده حازماً ولم اكن اريد ان اخيب احلام القوة التي راودتني طوال ليلة امس وانا اتخيل نفسي احمل الخنجر واتبختر به في المنطقه ، اخوّف الجميع واكطع الشارع من الطول للطول!

قلت للحداد مستسلماً ميخالف انطيك ربع دينار بس حده زين ، اريده يگص الهوى .

فقال مبتسماً راح اسويلكياه مثل خنجر عنتر بن شداد!

ثم اضاف :تريد اغيرلك المقبض بواحد جديد ، يكلفك دينار

فقلت لا لا. اريده هيج ، اني معتز بيه، كي اهرب من حرج افلاسي لحظتها ومن استغلال هذا الحداد الجشع الذي يبدو انه عرف مدى تعلقي و توهمي بالخنجر ( العاوي )!

اصبح الخنجر بعد الحد وازالة الصدأ عنه ، وبعد ان صنعت له ( گراب جلد معتبر) ، رفيقي الذي لا يفارق حزامي حتى في المدرسة رغم خطورة ان يضبط عندي ، لأن ذلك يعني الطرد الفوري من مقاعد الدراسة ، لكنني لشدة حبي و ثقتي بهذا السلاح (الفتاك) لم اكن استطيع مفارقته ابداً ، حتى عند النوم كنت احرص ان اضعه تحت الوسادة ، وقد خصصت له يوم الخميس من كل اسبوع للتلميع والتنظيف والتدريب امام المرآة بعد ان اكون ضمنت خروج والدي من البيت الى الزيارة الاسبوعية التي كان يقوم بها الى جامع السهلة في مدينة الكوفة التابعة الى النجف الاشرف وهي زيارة يقوم بها الوالد رحمه الله بأنتظام.

اذكر وقتها انني كنت اسمي ايام الاسبوع حسب مناسباتها فالجمعة يوم النوم والتسخيت وفلم الساعة الرابعة العربي والسبت يوم الكآبة لانه اول يوم دوام والاحد يوم ممارستي لكرة القدم والاثنين عطلة الحلاقين والثلاثاء يوم الرياضة في اسبوع، والاربعاء يوم السمچ لان والدتي تحرص على ان تشوي السمچ لنا كل يوم اربعاء.

واما الخميس فكان يوم الخنجر يوم التلميع والتدريب ، والحق اقول انني كنت انتظر خميس ( الخنجر ) بفارق الصبر طوال الاسبوع كي اخرج بعد تلميعه ووضعه في حزامي الى اصدقاء المنطقه وانا احرص ان يظهر مقبضه الملصوق بالشريط الاسود (( التيب )) من وراء القميص كما كان يفعل منتسبو الامن سابقا بأظهار مسدساتهم ، وقد لاحظت ان بعض مراهقي المنطقه صاروا يخافونني ويتجنبون مشاكستي او الاحتكاك بي بعد ان لاحظوا الخنجر في حزامي دائما ، ثم صرت من شدة  اعجابي به اتخيل واؤلف واروي القصص الغريبة والحكايات العجيبة  عن بطولاتي ومعاركي وانتصاراتي، فرويتُ عنه وهنا اقصد ( الخنجر) ما لم يرو عن عنتر ابن شداد وابو زيد الهلالي وطرزان (مجتمعين ومنفردين لك شنو محامين).

 وكان بعض الاصدقاء يستمتع بتلك الحكايات ويصدقها ويستزيدني منها، ومنهم من كان يسخفها ويعتبرها مجرد اكاذيب، وهؤلاء كنت اتجنبهم وابتعد عنهم لأنني لم اكن اريد ان يسيء احد  الى ( الخنجر ) مهما كان  !

الى ان حل اليوم الموعود والذي مازلت اسميه يوم فضيحة ( الخنجر ) ، كنت جالساً بين اصدقائي كالعادة نافشاً ريشي مزهواً مثل ابطال الحكايات ايام زمان، عندما جاءني صاحبي الذي اهداني الخنجر -الله لايوفقه- وهو يلهث مدمى الوجه مشجوج الرأس يبدو عليه اثار ( طن كتل .. غسل ولبس ) ، وقال لي باكياً ( الحگني ابو سعود، داروا علي خمسة من محله ٥١٨ ، شبعوني كتل  بالتواثي )!

 فصرخت : يكتلون صاحبي؟  وبالتواثي، والنوب من غير محله، ياگاع انشگي وبلعيني،  شنو هاي الاهانة وشنو هاي الجرأة؟!

كان الاصدقاء المتسورون حولي ينتظرون ردة فعلي ليروا ماذا سأفعل بالاعداء الخمسة وتواثيهم السخيفة وانا صاحب الخنجر الصمصام.

قمت من فوري وسحبت الخنجر غاضباً وصرخت صرخة مدوية كزئير الاسود :

وينهم؟ االيوم ازرفهم تزرف، اليوم انچخهم اتنچخ !

كان صاحبي ( المبسوط ) يريد تحريضي اكثر ، فقال لي بخاطر مكسور :

لحگوني لراس الشارع وهم يكتلون بيه ، تقبل اخوك ينكتل بالتواثي؟

طبعا اني حميت، فركضت والخنجر بيدي صوب الجهة التي اشار اليها صديقي والتفت لاجد ان الاصدقاء لحقوا بي ، ولكن على مسافة  ليست قريبة، الملاعين ورطوني وحدي بالمشكلة فجأة رأيت مراهقين اثنين فقط (يعني مو خمسة مثل ماقال الكذاب صاحبي ) في يد احدهم  عصا، يمكن ان نعتبرها توثية،  وهما ما يزالان يشتمان ويسبان صاحبي الذي وقف ابعد من الجميع خوفاً ان يناله مزيداً من الضرب.

 اندفعت نحو صاحب العصا وانا اصرخ ( تعالو ولكم عليمن تسبون وتشتمون وشلون تطبون للمحله مالتنا)

 الملاعين لم يخافوا من الخنجر الذي بيدي بل رفع صاحب العصا يده عالياً في اللحظة التي هجمت بها عليهم وحانت حينها التفاتة سريعة مني الى الخنجر الذي بيدي لأكتشف مدى ضآلته وسفالته وتفاهته كسلاح امام التوثية المرفوعة، لكن الوقت كان قد فات على امكانية التراجع والهرب، هوت العصا بقوة علي( وسقط الخنجر) من يدي بعيداً بعد ان التوى وانفصل رأسه عن نصله من وقع الضربة ، كان الالم الذي شعرت به من الضربة لا يوصف، لكن الم كبريائي المهدورة كان اكثر واشد ، خاصة وانا اسقط في اول ضربة امام الاعداء وعلى مرأى الجميع، فصرخت :

اخ يابه انكسرت ايدي !

ربما كي اخيفهم حتى لا اتلقى مزيدا من التواثي، لكن الصرخة كانت متأخرة لان العصا القاسية كانت قد نزلت على ظهري هذه المرة،  وبدا لي انني سأصبح وليمة ضرب دسمة لهؤلاء الملاعين لولا ان حصلت المعجزة ، حين رفع احد اصدقائي حجراً من الارض ورماهم به، ليتشجع الاخر ويرميهم بحجر مثله اصاب حامل العصا برأسه وربما شجه، بعد قليل كان مطر الحجارة التي بدأ اصدقائي يلقونها على الاعداء هو الذي انقذني من الكارثة ، حيث ولى الاعداء هاربين. ركض نحوي اصدقائي الذين كنت اكذب عليهم بحكاياتي عن بطولات ( الخنجر ) ورفعوني عن الارض نافضين عني التراب ، وانا احمل يدي متأوها، مدعياً انها مكسورة كي اخفي خجلي مما حصل .

ركض احدهم وجلب اجزاء الخنجر المبعثرة  على الارض قائلاً ( هاك اتفضل ) ، وكانت في عينيه خيبة كبيرة من (الخنجر)  الذي خدعني وخدعتهم به طويلاً، فأخذته منه بغضب واستنكار ثم رميته بعيداً في حاوية الازبال القريبة وانا اردد مع نفسي :

الله يخزيك دنيا وآخرة.......!!

انفجرت ضحكات الاصدقاء الساخرة مني وانا احمل يدي شبه المكسورة وكرامتي المحطمة كي اتوارى عنهم ربما لأيام حتى ينسوا ما حصل ، ولكن الغريب ان صدى تلك الضحكات ما يزال يرن في اذني حتى الان والجملة التي صارت لازمة بسخريتهم مني بكل موقف وهي  :

الله يخزيك يالخنجر دنية واخرة!

علق هنا